ما هي لغة أهل الجنة
ما هي لغة أهل الجنة؟ وهل هي لغة توجد في الدنيا أم هي في الآخرة فقط؟ الجنة هي دار الخلد، ومستقر بها كل مؤمن آمن بالله جل وعلا، وعمل على رضاه، والفوز برحمته، والجنة هي ما يُفاجئ الله به عباده الذين آمنوا وصبروا، حيث فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وسوف نعرف من خلال منصة وميض ما هي لغة أهل الجنة كما قال العلماء.
ما هي لغة أهل الجنة؟
أهل الجنة هم أهل النعيم، وهم الفائزون في الدنيا والآخرة، وهم الذين صبروا، وعلى ربهم توكلوا، وأن لهم أن يمنحهم الله ما سعوا لأجله في هذه الحياة الدنيا، ألا وهي جنة الخلد التي يرثها لعباده المتقين، الصابرين، المؤمنين، فما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، وما يعمله العبد في دنياه إلا لأجل آخرته حتى يصل إلى المستقر، وإلى مسك الختام بعد تعب الدنيا، ومشقتها.
من هنا يأتي سؤال الأشخاص عما هي لغة أهل الجنة؟ وكيف يتحدث أهل الجنة؟ وهل هم يتكلمون بلغة القرآن؟ أم بلغة أعجمية؟ لا يوجد نص صريح في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية الشريفة يعلمنا بلغة أهل الجنة، ولكن ظاهر النصوص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أهل الجنة يتحدثون العربية.
كما أن ظاهر النصوص في كلام الله -جل وعلا- أن أهل الجنة يتحدثون العربية، فقد وضح من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، أن الله جل وعلا يخاطب الناس يوم القيامة باللغة العربية، والله يخاطب أهل الجنة باللغة العربية، ولكن هذا ما رجحه العلماء وفق اجتهاداتهم، ولكن الله قادر على أن يفعل ما يشاء، فهو قادر على تعليمنا جميع اللغات.
قادر على تعليمنا لغات غير دنيوية فهو سبحانه قادر على كل شيء، وقال جمهور العلماء أن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية، فهي لغة القرآن الكريم، وأن أمة الإسلام هي ختام رسالة الله -جل وعلا- لعباده لذلك فهي غالبة على باقي الأمم، فاستدلوا على أن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية.
استند بعض العلماء على حديث لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيل إنه حديث موضوع، وهو قوله (أنا عربيٌّ والقرآنُ عربيٌّ ولِسانُ أهل الجنَّةِ عربيٌّ) رواه أبو هريرة، مصدره محجة القرب، قال الثعالبي عن ذلك الحديث أن لا أصل له، وقال عنه الإمام شمس الدين الذهبي أنه موضوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عنه الألباني في السلسلة الضعيفة أنه موضوع.
كما وقيل إن لغة أهل الجنة هي العربية، ولغة أهل النار هي الفارسية، وفي الواقع لا يملك أحد أن يصدق أو يكذب هذا الكلام، فهذه اجتهادات من العلماء، ولكن لا يوجد دليل صريح بذلك، فبدلًا من أن نفكر فيما هي لغة أهل الجنة، يجب علينا التفكير في الطريق الذي يوصل إلى الجنة، والتفكير في نعيم الجنة حتى يزيدنا تعلقًا بها.
اقرأ أيضًا: لماذا سميت فاطمة الزهراء بالبتول
رأي شيخ الإسلام بن تيمية في لغة أهل الجنة
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن لغة أهل الجنة، وعن لغة خطاب الله -جل وعلا- يوم القيامة لعباده، كما سئل عن اللغة الفارسية أنها لغة أهل النار، أجاب شيخ الإسلام بن تيمية عن هذا بقوله:
(الحمد لله رب العالمين لا يُعلم بأي لغة يتكلم الناس يومئذ، ولا بأي لغة يسمعون خطاب الرب جل وعلا؛ لأن الله تعالى لم يخبرنا بشيء من ذلك ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، ولم يصح أن الفارسية لغة الجهنميين، ولا أن العربية لغة أهل النعيم الأبدي، ولا نعلم نزاعًا في ذلك بين الصحابة رضى الله عنهم، بل كلهم يكفون عن ذلك لأن الكلام في مثل هذا من فضول القول، ولكن حدث في ذلك خلاف بين المتأخرين، فقال ناس: يتخاطبون بالعربية، وقال آخرون: إلا أهل النار فإنهم يجيبون بالفارسية، وهي لغتهم في النار. وقال آخرون: يتخاطبون بالسريانية لأنها لغة آدم وعنها تفرعت اللغات. وقال آخرون: إلا أهل الجنة فإنهم يتكلمون بالعربية، وكل هذه الأقوال لا حجة لأربابها لا من طريق عقلٍ ولا نقل بل هي دعاوى عارية عن الأدلة والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم) (مجموع الفتاوى (299/4).
اقرأ أيضًا: هل حياة البرزخ أفضل من الدنيا
وصف نعيم الجنّة
يوم القيامة حين يحاسب الله عباده المتقين فيجازيهم خيرًا بعملهم في الدنيا، ويدخلهم جنة عرضها كعرض السماوات والأرض، ليس فيها صخب ولا نصب، وليس فيها صلاة، ولا صوم فلا عبادة فيها سوى ذكر الله تبارك وتعالى والتسبيح له وشكره على ما أنعم به عليهم، فالجنة ليست دار تكليف، وإنما دار تكريم، نعيم.
روى جابر بن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يَأْكُلُ أهل الجَنَّةِ فيها ويَشْرَبُونَ، ولا يَتَغَوَّطُونَ ولا يَمْتَخِطُونَ ولا يَبُولونَ، ولَكِنْ طَعامُهُمْ ذلكَ جُشاءٌ كَرَشْحِ المِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ والْحَمْدَ، كما تُلْهَمُونَ النَّفَسَ قالَ وفي حَديثِ حَجَّاجٍ طَعامُهُمْ ذلكَ. وفي رواية: عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، بمِثْلِهِ غَيْرَ، أنَّه قالَ: ويُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ والتَّكْبِيرَ كما تُلْهَمُونَ النَّفَسَ) حديث صحيح، مصدره صحيح مسلم.
كما أن الجنة بها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فمهما كان وصف الجنة في القرآن والسنة، فهو كما يقال قطرة ماء في المحيط، وتراب الجنة من المسك، وبها أنهار من ماء نظيف لم يعكر مذاقه شيء، وأنهار من العسل المصفى، وأنهار من الخمر لذة للشاربين ليس كخمر الدنيا الدنيء.
كما فيها من كل الثمرات الطيبة التي يتخير فيها المؤمن، رزقًا من الله جل وعلا، وفيها ما تشتيه النفس من الطعام، والشراب، كما وفي الجنة حور عين مثل اللؤلؤ المكنون الذي لم يمسه شخص، وجمالهم لا يخطر على بشر فنساء الدنيا جميعًا لا تضاهي جمال نساء الجنة، وفي الجنة لا يوجد نوم، أو تعب، أو صخب.
غرف الجنة ليست كغرف الدنيا، فهي غرف مبنية أي قصور عالية تتكون منها طبقات بعضها فوق بعض، ومن تحتها أنهار، وبها غرف وقصور، وما تشتيه الأنفس، وتلذ الأعين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصف غرف الجنة:
(إنَّ في الجنَّةِ غرفًا يُرى ظاهرُها من باطنِها وباطنُها من ظاهرِها أعدَّها اللهُ لمَنْ أطعم الطَّعامَ وأفشى السَّلامَ وصلَّى بالليلِ والنَّاسُ نيامٌ) حديث صحيح، رواه عبد الله بن عمرو، مصدره الزواجر، فكيف لعبد أن يعصى الله ويبيع جنة عرضها السماوات والأرض بسجن الدنيا البالي الذي لا يساوي نعيمه ذرة من نعيم الجنة.
اقرأ أيضًا: لماذا نقرأ سورة الكهف يوم الجمعة
أعظم ما يعطى لأهل الجنة
بعد أن تحدثنا عما هي لغة أهل الجنة؟ كذلك عن وصف الجنة من النعيم، فهناك ما هو أعظم من نعيم الجنة، وأعظم ما يكافئ الله به عباده، ألا وهو النظر إلى وجه الكريم تبارك وتعالى، فلا يوجد ثواب أعظم، ونعيم أعظم من النظر إلى وجه الله -سبحانه وتعالى- ورؤية نوره جل في علاه.
قال بن الأثير في هذا أن رؤية وجه الله -جل وعلا- وهي غاية كل مؤمن من دخول الجنة ونعيم الآخرة، وهي اللهفة التي تشتعل في نفوس المؤمنين حين يدخلهم الله جنته، فأسأل الله ألا يحرمنا من النظر إلى وجهه الكريم، وروى صهيب بن سنان الرومي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
(إذا دَخَلَ أهل الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ. وفي رواية: وزادَ ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ} [يونس: 26]) حديث صحيح، مصدره صحيح مسلم.
كل نعيم زائل إلا نعيم أهل الجنة، فلا ينشغل العبد بنعيم الدنيا فقط، ويجعلها تلهيه وتنسيه عن هدفه الذي خلق من أجله ألا وهو عبادة الله للوصول إلى الجنة، والدنيا هي الطريق إلى ذلك.