هل يجوز الترحم على غير المسلمين
هل يجوز الترحم على غير المسلمين؟ وما دليل ذلك؟ فتلك من أكثر الأمور الشائكة التي تثير تساؤل البعض عنها خاصة من المسلمين، فعندما يتوفى شخص غير مسلم من جيرانهم أو ما شابه هل يجوز الترحم عليه رغم كونه على غير ملته أم أن في الأمر مخالفة لما أمر الله سبحانه وتعالى به، لذا سنوضح جموع آراء الفقهاء في هذا الصدد من خلال منصة وميض.
هل يجوز الترحم على غير المسلمين
إن الصفات الحسنة والأخلاق القويمة ليست حكرًا على المسلمين دون غيرهم من العباد، لذا تجد من غير المسلمين ما تُعجب بصفاته وأخلاقه، في حين اختلاف الملة لا يعيق من علاقتكما شيئًا، هذا استنادًا إلى قول الله تعالى في سورة الكافرون:
(لكم دِينكم ولي دينِ).
حيث تحكم الناس الصداقة والجيرة والعديد من تلك العلاقات التي يغض النظر فيها عن ديانة الطرفين، ويتعامل الناس بسماحة، لكن دعونا نفرق بين الأمور حتى لا تختلط على أحدهم.
إذا اتفقنا أن الرحمة أوسع من المغفرة، ذلك لأن الله -سبحانه وتعالى- وسعت رحمته كل شيء، كذلك رحمة وشفاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم تشمل العالمين، لذا فالرحمة بمعناها العام تجوز على الجميع، مؤمنهم وكافرهم.
هذا ما يؤول نهايةً إلى أن غير المسلم المعروف عنه صفاته القويمة والذي لا يظهر سلوكًا معاديًا للإسلام والمسلمين يجوز الترحم عليه إن كانت الرحمة بمعناها العام، أما إن كان الأمر استغفارًا فيما يختص “المغفرة” فهي غير جائزة فقد أخذ الله على نفسه بأنه لا غفران لمن مات وهو على غير الإسلام.
في هذا الصدد تباين الفقهاء بين جواز الترحم وبين كونه ليس بجائز، لكن ما سبقت الإشارة إليه كان ما ذهبت إليه دار الإفتاء، أما عن مختلف الآراء الأخرى يسعنا الإشارة إليها فيما يلي، لنوافيكم إجابة كافية عن سؤال هل يجوز الترحم على غير المسلمين أم لا.
اقرأ أيضًا: حكم نفور الزوجة من زوجها
1- الترحم على غير المسلمين جائز
بعض الناس يتخذون قول الله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) كدليل على جواز الترحم على غير المسلمين أو الدعاء لهم عند الوفاة، وأيضًا في قول الله تعالى من سورة الأعراف: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل).
من المعروف في ديننا الإسلامي أن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بعث لكافة الخلق، وما يدل على ذلك قول الله تعالى في سورة سبأ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) وقوله تعالى في سورة الأعراف: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا).
اقرأ أيضًا: دعاء نية الصيام شهر رمضان وحكم التلفظ به
2- الترحم على غير المسلمين لا يجوز
في إطار آخر في جواب هل يجوز الترحم على غير المسلمين نذكر قول الله تعالى في قرآنه الكريم في سورة آل عمران:
(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)
وقال الله تعالى:
(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
معنى تلك الآيات من سورة آل عمران أنه من كان معتنق دين غير الإسلام فذلك لا يحتسب له ولا يشفع له لأن الدين عند الله الإسلام وأن الجنة للمسلمين ومتبعي محمد -صلى الله عليه وسلم- فقط، وتعد على غير المسلمين حرام.
حيث توجد العديد من الآيات في كتاب الله الكريم تدل على أن غير المسلمين لا يدخلون الجنة مهما كانت أعمالهم ما لم يتبعون الإسلام ونبي الله محمد ومنها في سورة البقرة:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ).
قال الله تعالى أيضًا في سورة البينة:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) وفي سورة التوبة: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)، وفي سورة آل عمران: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ).
كما قال الله تعالى في سورة التوبة:
(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)
كما ورد في حديث عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “استأذنت ربي أن أستغفر لأمي؛ فلم يأذن لي”.
فيوضح الحديث أنه لا يجوز الاستغفار لمن لا يموت على دين الله الإسلام واجتمع أهل الفقه وعلماء المذاهب الأربعة وأهل العلم أن من مات وهو على دين غير دين الله الإسلام فلا يجوز الدعاء له أو الاستغفار له.
كما في حديث عن أبى هريرة فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار”.
عند التساؤل عن هل يجوز الترحم على غير المسلمين؟ يجب أن نتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث شريف: “كلكم تدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار”.
قد ذكر مسلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يحاكي عمر بن الخطاب ويقول له «يا ابن الخطاب، اذهب فنادِ في الناس، أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون» وقد قال ابن مسعود أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يخاطبهم قائلًا «ألا لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، اللهم هل بلغت؟ اللهم اشهد».
كذلك هناك العديد من الشواهد القرآنية التي تؤكد على أن الأعمال لغير المسلمين لا تدخلهم الجنة ولا تشفع لهم، هذا ما نشير إليه في إطار تأكيد الإجابة على هل يجوز الترحم على غير المسلمين، ومن تلك الآيات:
- قال الله تعالى في سورة الأنفال: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).
- قال الله تعالى في سورة المائدة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
- قال الله تعالى في سورة النساء: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ).
- قال الله تعالى في سورة فاطر: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ).
- قال الله تعالى في سورة البقرة: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ).
- قال الله تعالى في سورة الإنسان: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا).
- قال الله تعالى في سورة آل عمران: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ).
- قال الله تعالى في سورة التوبة: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ).
- قال الله تعالى في سورة النساء: (إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا).
- قال الله تعالى في سورة آل عمران: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ).
- قال الله تعالى في سورة المدثر: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ).
- قال الله تعالى في سورة الملك: (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
اقرأ أيضًا: كم زكاة الفطر ووقت إخراجها وحكمها
مصير الأعمال الصالحة لغير المسلم
بعد الجواب على هل يجوز الترحم على غير المسلمين وعند التأكد من أن الغير مسلم لا يدخل الجنة وهي محرمة عليه، وقد أكدت ذلك الشواهد القرآنية العديدة التي تم ذكرها، وعلى إثر ذلك فما مصير الأعمال الصالحة التي يفعلها الغير مسلم في الدنيا؟
قال تعالى في سورة الفرقان: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) وفي صحيح عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: “لا ينفعه، إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين”
لكن الله يجزيهم بأعمالهم الحسنة في الدنيا ويكافئهم بها، مثلما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقًا في الدنيا على طاعته”
بناءً على ذلك لا يجوز الترحم على غير المسلمين أو الاستغفار لهم لكن يمكن الدعاء لهم بالهداية وصلاح الحال.
مع هذا، يجب توضيح أن حسن معاملة غير المسلمين تدخل في إطار حسن الخلق التي هي جزء من الرحمة في التعاملات الإنسانية، فقد ورد في محكم التنزيل ما يخص الإحسان إلى أهل الكتاب.
أما عن صور ذلك الإحسان فتشمل مواساتهم عند المصيبة، فبني البشر سواء تصبهم مصائب الدنيا ليكونوا عونًا لبعضهم البعض، كذلك جبر خواطرهم وقلوبهم عند المحن والضعف والشدائد، كحالات المرض أو الوفاة أو ما شابه ذلك، فالأمر هنا يرتبط بحسن الخلق والمعاملة.
هنا يستدعي ذكر رأي المذهب الحنفيّ والشافعيّ بجواز تشييع جنازة لأهل الكتاب، واتباع تلك الجنازة، فهذا نوع من أنواع التآزر ليس إلا، طالما كان هناك ألفة وغير معاداة للإسلام والمسلمين.
لا يجب التأثير بالفهم الخاطئ لنصوص القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، كذلك لا يجب أن يكون المسلم في موضع شائك، فإن كان هناك شك في أمر الترحم على غير المسلم، يكفي الدعاء له بالهداية.