معلومات عن عمر بن الخطاب
معلومات عن عمر بن الخطاب من الأمور الهامة جدًا في تاريخ الإسلام والمسلمين قاطبة، وذلك للمكانة العظيمة التي يحتلها عمر بن الخطاب لدى المسلمين وفي صفحات تاريخ عصر صدر الإسلام التي خطت من ذهب.
سنقدم عبر منصة وميض أهم معلومات عن عمر بن الخطاب كما سنتحدث عن حياته بالتفصيل بدءً من مولده وحتى مثواه الأخير.
معلومات عن عمر بن الخطاب
لا يمكن أن تتلخص معلومات عن عمر بن الخطاب في كونه واحدًا من الصحابة الكرام أو أنه واحدًا من العشر المبشرون بالجنة أو في أنه فاروق الإسلام، وذلك لأن حياة هذه الشخصية التاريخية والإسلامية العظيمة كانت حافلة بالأحداث وتزخر بالتغيرات المتتابعة، والتي كانت كلها ذات أثر عظيم في تاريخ الإسلام قاطبة.
إن ذكر معلومات عن عمر بن الخطاب لا يمكن أن يكون موجزًا محصورًا في بوتقة معينة، لذا يجب عند سرد بعض من معلومات عن عمر بن الخطاب أن يتم سردها بشيء من التفصيل والدقة، وهذا ما سنراه في الآتي:
اسم ونسب عمر بن الخطاب
إنه أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان العدوي القرشي ولقبه بعد الإسلام هو الفاروق.
كان عمر بن الخطاب ابن عم زيد بن عمرو بن نفيل والذي كان موحدًا على ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، وأخو عم هو الصحابي الجليل زيد بن الخطاب الذي كان قد سبق أخوه عمر إلى الإسلام، ويجتمع نسب عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم عند كعب بن لؤي بن غالب وهو الجد السابع للنبي.
أما والدة عمر بن الخطاب فهي حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ويجتمع نسبها مع النبي صلى الله عليه وسلم عند كلاب بن مرة وهو الجد الخامس للنبي.
كانت والدة عمر بن الخطاب ابنة عم أم المؤمنين أم سلمي رضي الله عنها، وكانت ابنة عم كلًا من الصحابي خالد بن الوليد وعمرو بن هشام والذي لقب بأبي جهل.
اقرأ أيضًا: لماذا لقب عمر بن الخطاب بالفاروق
مولد ونشأة عمر بن الخطاب
من الضروري في ظل ذكر معلومات عن عمر بن الخطاب أن نذكر أيضًا متى ولد وكيف نشأ وترعرع قبل الإسلام، لقد ولد عمر بن الخطاب بعد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة عشر عامًا أي بعد عام الفيل الذي ولد فيه الرسول، ولقد كان منزل عمر بن الخطاب في أيام الجاهلية في أصل الجبل الذي صار اسمه في وقتنا الحاضر جبل عمر، أما اسم هذا الجبل في الجاهلية فهو جبل عاقر وبه كانت بيوت بني عدي بن كعب.
نشأ وشب عمر بن الخطاب في قريش ولكنه تميز عن أقرانه آنذاك بالقراءة ولقد عرفت الجاهلية وقتها بالأمية، ولقد عمل عمر في صغره راعيًا للإبل كما كان أبوه حاد الطباع يغلظ في معاملته كثيرًا وكان عمر يرعى الإبل لوالده ولخالاته من بني مخزوم.
تعلم عمر ركوب الخيل والمصارعة والفروسية والشعر وكان دائم في حضوره للأسواق التي كان العرب يقيمونها آنذاك مثل سوق ذي المجاز وسوق مجنة وسوق عكاظ، ولقد نجح عمر في تعلم أمور وأصول التجارة في تلك الأسواق حتى ربح منها كثيرًا وبات من أثرياء مكة وكان يذهب برحلاته التجارية إلى بلاد الشام خلال فصل الصيف وإلى بلاد اليمن خلال فصل الشتاء.
كان عمر بن الخطاب وجيهًا بين قومه وكان من أشراف قريش كما إنه كان سفيرًا لقريش، فإذا اندلعت حرب فيما بين قريش وأحد خصومها بعثوا به إليهم ليكون سفيرًا، وكان عمر قد شب وسط مجتمع يعج بالفتن والجهل والفواحش فنشأ على الوثنية مثل أهله ولقد كان يهيم حبًا في الخمر والنساء.
موقف عمر بن الخطاب من الإسلام
من خلال ذكر معلومات عن عمر بن الخطاب يجب التنويه بأن عمر بن الخطاب لم يكن من السابقين إلى الإسلام أو أنه ولد لكي يكون صحابيًا بشكل مباشر، لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام في عام 610م وكان آنذاك قد بلغ الأربعين من عمره، وكما يعرف الجميع كانت المرحلة الأولى من مراحل الدعوة إلى الإسلام تعتمد على السرية التامة والكتمان.
مكث النبي يدعو إلى الإسلام سرًا لمدة ثلاث سنوات كاملة وبعدها أمره الله بأن يجهر بدعوته أمام الناس، وعلى إثرها بدأت معاداة قريش له ولمن معه وازداد عدائهم له بالأخص عندما حقر وقلل من شأن آلهتهم اللات والعزى وهُبل وحقر من قيمة سائر أصنام الجاهلية، فهبت قريش بأكملها تدافع عن معتقدها وعن دينها وآلهتها وبدأوا في الاعتداء على من آمنوا مع النبي.
لقد كان عمر بن الخطاب من أعدى أعداء المسلمين وكان أكثر أهل قريش إيذاءً للإسلام والمسلمين، ولقد ذكر عن عمر بن الخطاب في هذه الحقبة من تاريخه أنه كان غليظ القلب لا يعرف الرحمة وكان كثيرًا ما ينكل بالمسلمين ويعذبهم أشد العذاب، حتى إنه ذات مرة عرف بإسلام جارية له في السر فكان يعذبها أشد العذاب بدءًا من أول النهار وحتى نهاية الليل، وإذا ما انفك عنها قال لها “والله ما تركتك إلا ملالةً“
كان عمر من فرط غلظته وقسوته على الإسلام والمسلمين قام بتجنيد نفسه لكي يتتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم أينما حل أو ارتحل، وكان النبي كلما دعا أحدهم إلى الإسلام ومال إليه عمل عمر بن الخطاب على ترويعه وإخافته وجعله يلوذ بالفرار ويتراجع عن تلبيته لهذه الدعوة.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهله ومن آمنوا معه بالهجرة مكة إلى الحبشة مما أثار خوف وحفيظة عمر إلى حد كبير، لأنه خاف على قريش وأبناءها من الشتات والفُرقة وانهيار أساس قبيلة قريش العريقة، فعزم أمره على الحيلولة دون وقوع وذلك بقتله للنبي في مقابل أن يقوم بتقديم نفسه إلى بنو هاشم ليقتلوه ثأرًا لولدهم محمد، ليكون بذلك قد تخلص من خطر محمد ودينه الذي بات يهدد كيان قريش بأكملها.
عمر بن الخطاب ما بين الإيمان والكفر
بالرغم من قسوة وغلظة وشدة عمر بن الخطاب في الجاهلية إلا أنه كان يخفي في قرارة نفسه نفحة جميلة من الرقة، ولقد حكت هذا زوجة عامر ابن ربيعة حليف بن عدي وذلك عندما شاهدها عمر بن الخطاب وهي تتجهز إلى السفر إلى الحبشة مع النبي، فقال لها عمر بن الخطاب: إنه الانطلاق يا أم عبد الله؟
فأجابته قائلة: نعم والله نعم والله فلقد آذيتمونا وقهرتمونا وسنهاجر حتى يجعل الله لنا مخرجا، فرد عليها عمر قائلًا: “صحبكم الله” وهنا شعرت زوجة عامر أن عمر يخفي بداخله رقة ولين قلب وشعرت أنه من الممكن أن يهديه الله ويعرف الإسلام إلى قلبه طريقًا.
لم تتوانى زوجة عامر ابن ربيع في أن تخبر زوجها عما قاله لها عمر فرد عليها قائلًا “أطمعت في إسلامه؟” فقالت: “نعم”، ولكن الانطباع الأول لا يزال مطبوعًا في قلب عامر تجاه كفر وعناد وغلظة عمر بن الخطاب مما جعله يرد على زوجته قائلًا “فلا يسلم الذي رأيتِ حتى يسلم حمار الخطاب”
خلال هذه الفترة كان عمر يشهد في نفسه صراعًا قويًا بالغ الحدة ولقد بات قلبه يحدثه بلما لا يكون هؤلاء الناس على حق؟ وإن لم يكونوا على حق فما الذي يدفعهم إلى تحمل كل هذا العذاب والتنكيل؟ تعجب عمر كثيرًا من صبر وثبات المسلمين على ما يتعرضون إليه من أذى وهم يقرأون كلامًا غريبًا عليه لم تسمع به قريش من قبل قط.
إلى جانب هذا أيضًا أن محمدًا زعيم هؤلاء الناس لطالما كان طوال حياته فوق مستوى الشبهات، فقد كان هو الصادق الأمين وذلك بإقرار من أعدائه من أهل قريش الذي هو فرد منهم، ولكن من ناحية أخرى كان الصراع النفسي بداخل عمر أكثر شدة وعنفًا.
لقد رأى عمر من الناحية الأخرى أنه وجيهًا من وجهاء قريش وسفيرهم وهو واحد من أعتى قادتهم وإذا أسلم فإنه سوف يضيع على نفسه تلك المكانة التي يتمتع بها، ولقد رأى أن هذا الدين الجديد في فترة وجيزة استطاع أن يشق صفوف مكة المترابطة إلى شقين، فشق آمن بمحمد وبدأ يدافع عن الإسلام وشق آخر بدأ يحاربه.
محاولة عمر بن الخطاب قتل النبي
في ظل سرد معلومات عن عمر بن الخطاب يجدر بنا ذكر أن محاولة عمر بن الخطاب في قتل النبي صلى الله عليه وسلم لم تتوقف عند حد المحاولة السالف ذكرها، فلقد عانت قريش بأكملها طوال ست سنوات من دعوة محمد إلى الإسلام وكثرت عليهم المحاورات والمناظرات والنزاعات والانقسامات.
في ظل كل هذا كان الصراع النفسي داخل عمر قد بلغ مبلغه منه وكان من طبع عمر عدم المماطلة وحسم الأمور من دون تردد فيها، فقرر أن ينهي كل تلك المعاناة وقرر تخليص نفسه وتخليص قريش ومكة بأكملها من الأزمة التي حلت بها بسبب محمد ودعوته، ورأى أن كل ذلك سوف يتحقق بأمر واحد قد فشلت قريش كلها فيه ألا وهو قتل النبي.
جدير بالذكر أيضًا خلال ذكر معلومات عن عمر بن الخطاب أن أشد ما دفع عمر إلى أخذ هذا القرار هو ما قد حدث قبله بيومين اثنين فقط، وهو ما تعرض له أبو جهل في مكة من إهانة على يد عم النبي حمزة بن عبد المطلب الذي كان قد اعتنق الإسلام آنذاك، ودافع عمر بن الخطاب هنا هو أن أبا جهل كان خاله فرأى أن تلك الإهانة لم تصب أبا جهل وحده بل أصابت كرامته هو أيضًا.
كان رد الاعتبار في مثل هذه الأمور عند الجاهلية لا يمكن إلا من خلال رفع حد السيف على من بادر بالإهانة، فسل عمر بن الخطاب سيفه من غمده وخرج من بيته قاصدًا بيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي طريقه صادف نعيم بن عبد الله العدوي القرشي، وكان ممن أسلموا ولكنه أخفى إسلامه خيفة من بطش قريش به.
استوقف نعيم عمر وقال له: أين تريد يا عمر؟ فإجابه عمر قائلًا: “ أريد محمدا هذا الصابي الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها فأقتله”
ما أن علم نعيم أن عمر متوجه إلى النبي لكي يقتله قال له “ والله لقد غرتك نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ فإن ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب قد والله أسلما وتابعا محمدًا على دينه؛ فعليك بهما“
اقرأ أيضًا: معلومات عن أبو بكر الصديق
إسلام عمر بن الخطاب
إن أهم نقطة يجب الوقوف عندها في عرض معلومات عن عمر بن الخطاب هي دخوله في الإسلام، فبعد ما سمع عمر بن الخطاب ما سمعه من نعيم بن عبد الله العدوي استشاط غضبًا وراح يضرب كفيه وتوجه إلى بيت أخته فاطمة وزوجها سعيد وكان الشر يتطاير من مقلتيه.
ما أن أدرك عمرًا بيت أخته سمع من خلف الباب أصوات وهمهمات غريبة ثم أخذ يضرب الباب بعنق وقوة وصرخ بصوته الجهوري افتحوا الباب، وما أن دخل عمر حتى بدأ يسأل ما ذلك الصوت فأجابته أخته بلا شيء، فرد عمر عليها قائلًا: بلى والله لقد علمتُ أنكما تابعتما محمدًا على دينه.
همَّ عمرًا لكي يضرب سعيد فتدخلت أخته فاطمة بينهما وأخذت تدفع بأخيها عمرًا لكي تبعده عن زوجها فلطمها على وجهها بقوة حتى تطاير الدم من فمها وأنفها، على إثر ذلك استشاط سعيد غضبًا ووقف أمام عمر متحديًا إياه قائلًا له: نعم، قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك.
وقفت فاطمة مرة أخرى وأمسكت بوجه أخيها عمر بن الخطاب وقالت له: أسلمنا فرغِم أنفك يا عمر، وكانت فاطمة عندما صفعها أخوها عمرًا ممسكة بصحيفة بها بعض الآيات من القرآن فانحنى عمرًا لكي يأخذها ويقرأ ما بها، فأبعدته أخته وأقسمت عليه أن يتوضأ أولًا قبل أن يمسك بها ولما طلبت منه ذلك ورأى الدم يسيل منها لان وهدأ.
قام عمر لكي يتوضأ كما أرته أخته وزوجها كيف يكون الوضوء ثم أمسك بالصحيفة ليقرأ ما فيها فإذا هو (طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى)
اهتز كيان عمر بن الخطاب لما قرأه وقال: ما هذا بكلام بشر ثم أسلم في حينها وكان ذلك في شهر ذي الحجة من العام الخامس للبعثة النبوية، ولقد أسلم عمرًا بعد أن أسلم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه بثلاثة أيام فقط وكان آنذاك في نهاية العشرين أو في مطلع الثلاثين من عمره.
خرج عمر بن الخطاب قاصدًا دار الأرقم بن أبي الأرقم حيث كانت تلك الدار هي مكان اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن آمنوا معهم ليعلن إسلامه بين يديه، وكان إسلام عمرًا إجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه بقوله
“ اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام” ولقد كان عمر بن الخطاب أحب إلى النبي من عمرو بن هشام الذي كان يكنى بأبو جهل، وكان قبل ان يعلن عمر بن الخطاب إسلامه كان قد سبقه إلى الإسلام تسع وثلاثون من الصحابة الكرام وكان عمر بن الخطاب هو من تممهم أربعين صحابيًا.
عن بن عباس رضي الله عنه قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلاً، ثم إن عمر أسلم، فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله كلمة تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
آراء المؤرخين حول إسلام عمر بن الخطاب
من الواجب ذكره في إطار سرد معلومات عن عمر بن الخطاب هو أن هناك بعض الآراء المتخبطة الخاصة بإسلام عمر بن الخطاب من حيث التاريخ والتوقيت والموقف نفسه، فهناك فريق من المؤرخين قد ذهبوا إلى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل الإسلام بعد أن هاجر المسلمون من مكة المكرمة إلى الحبشة في العام الخامس من البعثة، أي أن عمرًا بن الخطاب قد أسلم في العام السادس من البعثة النبوية.
ذهب فريق آخر من المؤرخين إلى أن عمر بن الخطاب قد أسلم قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب أو المدينة المنورة حاليًا بوقت قليل في العام الثالث عشر من البعثة النبوية، لقد ذكر فريق آخر من المؤرخون أن عمر بن الخطاب أسلم بعد أربعين أو خمسة وأربعين رجلًا في حين كان المهاجرين والأنصار الذين آخى النبي بينهم لم يتجاوز تعدادهم هذا العدد القليل.
توجد بعض الآراء الأخرى التي قالت بأن عمر بن الخطاب كان من أواخر الذين أسلموا من المهاجرين، حيث قال هذا الفريق من المؤرخين أن عمرًا قد اقترب من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في مكة في البيت الحرام وكان يجهر بقراءته للقرآن، فسمعه عمر وهو يردد آيتين من سورة العنكبوت فكان يقول ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ)
أثارت تلك الآيات مشاعر عمر بن الخطاب وأثرت فيه تأثيرًا بالغًا فأسلم على إثرها مباشرة، وكانت سورة العنكبوت هي أخر سورة نزلت في مكة المكرمة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة المنورة أو يثرب كما كانت تسمى آنذاك.
اقرأ أيضًا: من هو قاتل علي بن أبي طالب وما هي قصة قتله؟
عمر بن الخطاب قبل الهجرة
لقد كان إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتصارًا وعزًا للإسلام، فلقد كان المسلمون قبل أن يسلم كلًا من عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب يخفون إسلامهم ويخافون من أن يعلم به أحد، ولكن من بعد أن أسلم حمزة وعمر تراجع هذا الخوف في نفوس المسلمين وصاروا أكثر جرأة وشجاعة لإدراكهم بأنه صار هناك من يدافع عنهم ويساندهم، ولا سيما لأن عمرًا وحمزة كانا من أشراف قريش ومن أشد رجالها بئسًا وقوة.
لم يكن عمر بن الخطاب كغيره من المسلمين الذين يخافون من الجهر بإسلامهم خشية أن يتعرضوا للتعذيب أو القتل، بل كان يجهر بإسلامه وعلى سبيل المثل كان يرفض أن يصلي المسلمين بعيدًا في شعاب مكة بعيدًا عن إيذاء قريش ورأى أن يجهر المسلمون بصلاتهم في قوة وعزم.
ذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله ألسنا على الحق؟”، فأجابه: “نعم”، قال عمر: “أليسوا على الباطل؟”، فأجابه: “نعم”، فقال عمر بن الخطاب: “ففيمَ الخفية؟”، قال النبي: “فما ترى يا عمر؟”، قال عمر: “نخرج فنطوف بالكعبة”، فقال له النبي: “نعم يا عمر”
عندها خرج المسلمون ولأول مرة إلى البيت الحرام يكبرون ويهللون وكانوا في صفين، صف منهما قد كان على رأسه عمر بن الخطاب أما الصف الثاني فكان على رأسه حمزة بن عبد المطلب وبينهما كان النبي صلى الله عليه وسلم، وساروا كلهم جميعًا حتى بلغوا الكعبة المشرفة وكان كل من عمر وحمزة يتقدمان صفوف المسلمين ومن بعيد رآهم سادة قريش فاعتلى الحزن والخزي وجوههم، وقال عمر بن الخطاب يومها “ فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذٍ“
إن أهم معلومة يجب ذكرها وسط معلومات عن عمر بن الخطاب هي أن إسلام عمر بن الخطاب كان حدثًا فارقًا في تاريخ الإسلام قاطبة، فلقد زاد عز الإسلام عزًا لدخول عمر فيه ولقد أصبح عمرًا درعًا واقيًا وحسامًا شاهرًا في وجه أعداء الإسلام وعلى رأسهم قريش، ولقد قال في ذلك صهيب الرومي رضي الله عنه “لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودُعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به“
كما قال عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “ما كنا نقدر أن نصلّي عند الكعبة حتى أسلم عمر وما زلنا أعِزَّة منذ أسلم عمر“
عمر بن الخطاب وهجرة النبي
في عام 622م أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالخروج مهاجرين من مكة إلى المدينة، وكان ذلك بعد أن قدم إليه وفد من أهلها وأخذوا على أنفسهم عنده عهد الأمان، ودعوه إلى مدينتهم لكي يسكن فيها بدلًا من مكة وكفارها حيث إن أهل يثرب آنذاك كان قد آمن معظمهم بدعوة النبي إلى الإسلام.
لقد هاجر أغلب المسلمين من مكة إلى المدينة سرًا متخوفين أن يتعدى عليهم نفر من قريش فيما عدا عمر، فلقد ذكرت الروايات بأنه خرج وهو يلبس سيفه ووضع قوسًا على كتفه وحمل سهامًا وعصاة قوية في يده وتوجه إلى الكعبة المشرفة، فطاف بها سبع مرات ومن ثم توجه إلى مقام إبراهيم عليه السلام وصلى فيه ثم وقف في حلقات المشركين المجتمعين هناك وقال لهم متحديًا “ شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده أو يُرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي“
لم يتبع عمر بعد ما قاله سوى عدد قليل من القوم المستضعفين فعلمهم وأرشدهم ثم مضى في طريقه، ووصل عمر بن الخطاب إلى يثرب والتي أصبح اسمها بالمدينة المنورة التي نورت بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وكان مع عمرًا عشرون واحد من أهله ومن بينهم أخيه زيد بن الخطاب وعبد الله وعمرو ولدا سراقة بن المعتمر، ومعه أيضًا وخنيس بن حذافة السهمي القرشي زوج ابنته حفصة، وابن عمه سعيد بن زيد أحد المبشرين بالجنة.
ما إن وصل هذا الجمع إلى المدينة المنورة مع عمر بن الخطاب حتى نزلوا عند قباء لدى رفاعة بن عبد المنذر الأوسي، وكان قد سبق عمر في الهجرة إلى المدينة مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وبلال بن رباح وسعد وعمار بن ياسر.
عمر بن الخطاب في غزوات الرسول
بعد الهجرة بقي المسلمون في المدينة لمدة عام كامل ينعمون بالأمن والأمان ولكن قريش لم تلبث حتى قامت بحشد عدتها وعتادها لمهاجمة المسلمين ومحاربتهم، ولقد شهد عمر بن الخطاب مع النبي جميع غزواته فكان في غزوة بدر ثانِ من تكلم ردًا على النبي بعد أبي بكر عندما استشارهم النبي فيأمر غزوة بدر، فأحسن عمر الكلام وحث المسلمين على قتال المشركين.
خلال غزوة بدر قام عمر بن الخطاب بقتل خاله العاص بن هشام أما في غزوة أحد كان عمر بن الخطاب هو أول من رد على نداء أبو سفيان عندما سأل عمن قتل، ولقد كان عمر بن الخطاب يعتقد أن النبي قد قتل في هذه الغزوة فلما عرف أنه لا يزال على قيد الحياة ولكنه يحتمي في الجبل هرع إليه ووقف يدافع عنه وعن المسلمين ضد من أرادوا الوصول إليهم من المشركين.
في شهر ربيع الأول من العام الرابع للهجرة شارك عمر بن الخطاب في غزوة النبي ضد يهود بنو النضير، الذين نقضوا عهدهم مع الرسول وحاولوا الغدر به وقتله مما أفسد ميثاق صحيفة المدينة فأمهلهم النبي عشرة أيام حتى يرحلوا بأموالهم وأولادهم عن المدينة، ولكن اليهود رفضوا واحتموا بحصنهم فحاصرهم النبي بداخله لمدة خمسة عشر يومًا حتى أخرجهم من المدينة فحملوا أنفسهم ورحلوا إلى خيبر.
مصاهرة عمر بن الخطاب للنبي
من بين أهم ما يجب ذكره ضمن معلومات عن عمر بن الخطاب هو أن النبي صار صهرًا لعمر بن الخطاب، ففي عام 625م تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين رضي الله عنها، ومن بعدها بحوالي عامين شارك عمر بن الخطاب في غزوة الخندق في العام الخامس من الهجرة ومن بعدها غزوة يهود بني قريظة.
لقد شارك عمر بن الخطاب أيضًا في صلح الحديبية الذي عقد في عام 628م بصفته شاهدًا على الصلح، ولقد عاد عمر إلى النبي غاضبًا لكتابة هذا الصلح الذي اشتمل على شروط ظالمة مجحفة في حق المسلمين وفي ذلك قال عمر بن الخطاب:
“ فأتيت نبي الله، فقلت: “ألست نبي الله حقاً؟”، قال: “بلى”. قلت: “ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟” قال: “بلى”، قلت: “فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟”، قال: “إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري”. قلت: “أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ “قال: “بلى. أف أخبرتك أنك تأتيه العام؟ “قلت: “لا” قال: “فإنك آتيه ومطوف به” وأتى عمر أبا بكر وقال له مثل ما قال لمحمد، فقال له أبو بكر: «إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق، وقال عم: “ما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرًا”
اقرأ أيضًا: معلومات عن سورة الفاتحة
عمر بن الخطاب وفتح مكة
لم تهدأ نفس عمر بن الخطاب إلا عندما نزلت آيات من القرآن تبشر المسلمين بفتح مكة، وفي نفس عام شارك عمر بن الخطاب في غزوة يهود خيبر وبعدها انضم هو وأبو بكر الصديق مع مئتين من الصحابة تحت قيادة أبو عبيدة بن الجراح، وكان خروجهم هذا إلى عمرو بن العاص.
كان عمرو بن العاص آنذاك منعكفًا على قتال القبائل العربية المناصرة للروم في شمال شبه الجزيرة العربية، وكان رحيل هؤلاء القادة إليه بسبب طلب عمرو بن العاص الإمدادات من النبي وما أن وصل إليه عمر وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح حتى ألحقوا بهؤلاء هزيمة نكراء.
رجع عمر بن الخطاب مرة أخرى إلى مكة في العام الثامن من الهجرة ولكنه دخلها من النبي والمسلمون فاتحين منتصرين وكان ذلك في عام 630م، وفي نفس العام شارك عمر بن الخطاب في غزوة حنين وفي حصار الطائف وفي غزوة تبوك، ولقد ورد أن عمر بن الخطاب تنازل عن نصف ثروته من أجل إعداد الجيش وتسليحه لخروج غزوة تبوك، وعندما وصل إلى عام 631م قام بأداء فريضة الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم فيما عرفت بحجة الوداع.
عمر بن الخطاب ووفاة الرسول
في اليوم السابع من شهر يونيو لعام 632م الموافق لليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة انتقل النبي إلى جوار ربه، وعلى إثر ذلك الحدث الأليم اضطربت أحوال المسلمين أيما اضطراب ولم يصدق الكثير من المسلمون هذا الخبر الصادم وكان من بين هؤلاء عمر بن الخطاب.
انتفض عمر وقال “والله ما مات رسول الله وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات” وفي رواية أخرى قيل إن عمرًا عندما سمع بوفاة النبي
قال “ إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله تُوُفِّي، إن رسول الله ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات”
لقد ظل المسلمون على تلك حالة المتوترة وكلهم يأملون أن يكون كلام عمر بن الخطاب هو الصدق، حتى جاء أبو بكر ودخل بجثمان النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت ابنته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما، ثم قام بكشف جثمان النبي الطاهر وجثى على ركبتيه يقبله ويبكي.
بعد ذلك خرج أبو بكر من منزل ابنته متوجهًا إلى المسجد ووصل إلى المنبر فوجد عمر بن الخطاب يقف ويقول ما قال، فطلب منه أبو بكر أن يجلس فجلس بالفعل ثم صعد أبو بكر على المنبر وبدأ بالتشهد والحمد والثناء على الله ثم بدأ في تلاوة هذه الآيات من سورة آل عمران على المسلمين (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)
بمجرد أن تلى أبو بكر الصديق تلك الآيات الكريمة أيقن عمر بن الخطاب أن النبي قد مات بالفعل ولقد وقعت هذه الآيات على قلبه وسمعه وبصره وقع الصاعقة وكأنه يسمعها لأول مرة، ثم تابع أبو بكر حديثه إلى المسلمون فقال لهم “ألا من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”
لم يستطع عمر بن الخطاب أن يتمالك زمام نفسه أكثر من ذلك فخر على ركبتيه على الأرض باكيًا حزنه على وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا تكلم عمر بن الخطاب فيما بعد واصفًا حالته آنذاك قائلًا “والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعُقِرْت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي قد مات“
عمر بن الخطاب في خلافة أبو بكر
من الهام جدًا ذكر معلومات عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلال فترة حكم الخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولقد كان عمرًا طوال فترة حكم أبو بكر بمثابة لساعد الأيمن والأول له في إدارة شئون الحكم وكان أبو بكر يستشير عمرًا دومًا في الخطط العسكرية، ويأخذ برأيه في تعيين قادة الجيوش الإسلامية ويساعده كذلك في وضع الاستراتيجيات العسكرية الجديدة.
لقد كان لعمر بن الخطاب دورًا بارزًا ومهمًا في تولي أبو بكر لصديق خلافة المسلمين بعد وفاة النبين إذ اعترض الكثيرون على مبايعة أبو بكر ومنهم من أراد أن يبايع على بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة ومنهم من رأى عمر بن الخطاب، ولكن عمرًا خطب في المسلمين في يوم الجمعة قائلًا “إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول: لو مات أمير المؤمنين بايعتُ فلانًا، فلا يغرَّنَّ امرأً أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فتنة، فقد كان كذلك ولكنّ الله وقى شرَّها، وليس منكم من تُقطَع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان خيرنا حين توفيَّ رسول الله”
إن أشد ما واجهه أبو بكر الصديق في بداية خلافته هو حروب الردة وفي ظل ذكر معلومات عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجب أن نسلط الضوء على دوره في مساندة أبو بكر من أجل التصدي لخطر هؤلاء المرتدين، ولقد انتهب حروب الردة أخيرًا بمعركة اليمامة التي أسفرت عن مقتل الكثير من الصحابة من حملة القرآن مما جعل عمرًا يتخوف على مصير القرآن فأشار على أبو بكر بجمعه في مصحف واحد وقد كان.
ذات مرة قال أبو بكر الصديق لعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح “إنه لابدَّ لي من أعوان”، فقال عمر: “أنا أكفيك القضاء”، والثاني قال: “أنا أكفيك بيت المال”، ولقد ظل عمر بن الخطاب متوليًا سدة القضاء في المدينة المنورة لمدة عام كامل ومن فرط عدله لم يختصم لديه أحد ذات يوم أبدًا، ولكنه أتى إلى أبو بكر الصديق ذات مرة وطلب منه أن يعفيه من منصب القضاء فسأله أبو بكر متعجبًا من أمره قائلًا: أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟
عندها رد عليه عمر بن الخطاب قائلًا: “لا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ ففيمَ يختصمون“
خلافة عمر بن الخطاب
قبل وفاة أبو بكر الصديق مرض مرضًا شديدًا وشغل باله أمر المسلمين من بعده وخشي أن يختلفوا ويتخاصموا وينشقوا على أنفسهم، فقام بجمع كبار الصحابة وهو على فراش المرض وقال لهم: “إنَّه قد نزل بي ما قد ترون، ولا أظنني إلا ميِّتًا، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحلّ َعنكم عقدي، وردَّ عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي“
أخذ الصحابة الكرام يتعففون ويترفعون عن تولي مسئولية خلافة المسلمين من بعد أبا بكر الصديق فرجعوا مرة أخرى إلى أبو بكر سائلين إياه أن يساعدهم في اختيار خليفة لهم قائلين “أرنا يا خليفة رسول الله رأيك“ فرد عليهم أبو بكر قائلًا “فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده“
بعد مهلة أخذها أبو بكر الصديق في التفكير أتى بالصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ليستفتيه في أمر استخلاف عمر بن الخطاب على المسلمين من بعده، ومن أهم ما يجب ذكره ضمن معلومات عن عمر بن الخطاب هو نص الحوار الذي دار بين أبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وعثمان رضي الله عنهم جميعًا وهو:
“أخبرني عن عمر؟”، فأجابه عبد الرحمن: “إنه أفضل من رأيك إلا أنّ فيه غلظة”، فقال أبو بكر: “ذلك لأنه يراني رفيقًا، ولو أفضي الأمر إليه لتركَ كثيرًا ممَّا هو عليه، وقد رمَّقتُهُ فكنتُ إذا غضبتُ على رجل أراني الرضا عنه، وإذا لنتُ له أراني الشدّة عليه”. ثم دعا عثمان بن عفّان، وقاله له كذاك: “أخبرني عن عمر”، فقال: “سريرته خير من علانيّته، وليس فينا مثله”، فقال أبو بكر للإثنين: “لا تذكرا ممَّا قلتُ لكما شيئاً، ولو تركته ما عدوتُ عثمان، والخيرة له ألا يلي من أموركم شيئًا، ولوددتُ أنّي كنتُ من أموركم خلواً وكنتُ فيمن مضى من سلفكم”
أتى الصحابي طلحة بن عبيد الله إلى أبو بكر وكان في قمة غضبه بعد أن علم باستخلاف عمر على المسلمين وقال لأبو بكر: “استخلفتَ على النّاس عمر وقد رأيتَ ما يلقى الناس منه وأنتَ معه، وكيف به إذا خلا بهم وأنت لاقٍ ربّك فسائلك عن رعيّتك!”، فقال أبو بكر: “أجلسوني” فأجلسوه، ثم أجابه: “أبالله تخوّفني! إذا لقيتُ ربي فسألني قلتُ: استخلفت على أهلك خير أهلك”
اقرأ أيضًا: مقولات عمر بن الخطاب عن العفو والتواضع والعمل
عمر بن الخطاب وفتح الشام
إن من أهم معلومات عن عمر بن الخطاب من الواجب ذكرها هو دوره في فتح الشام التي كانت واقعة تحت سيطرة الروم، ولقد رأى أبو بكر أن الروم يجب أن يتلقنوا درسًا من التأديب بعد ما قاموا به من مهاجمة جيش خالد بن سعيد بن العاص الذي يعسكر في أرض التيماء، فقام أبو بكر بتقسيم جيشه إلى أربعة أقسام وعلى كل قسم وضع قائدًا لكي يتجه صوب بقعة معينة من بقاع الشام.
كان قوام كل قسم من أقسام الجيش الأربعة ثمانية آلاف جندي وكان الجيش الأول تحت قيادة شرحبيل ابن حسنة وكان متوجهًا إلى الأردن جنوب الشام، أما الجيش الثاني فكان تحت قيادة يزيد بن أبي سفيان وكان متجهًا صوب دمشق، والجيش الثالث فكان تحت قيادة أبو عبدية بن الجراح وكان متجهًا إلى حمص، أما الجيش الرابع والأخير فكان تحت قيادة عمرو بن العاص وكان متجهًا صوب فلسطين.
دارت معركتي اليرموك وأجنادين في حياة أبو بكر الصديق إلا أنه لم يشهد نتائج معركة أجنادين وتوفي فأتى عمرًا من بعده، وكان أبو بكر قد عين خالد بن الوليد قائدًا عامًا على تلك الجيوش الأربعة ولكن ما إن تولى عمر حتى قام بعزل خالد ووضع أبو عبيدة بن الجراح مكانه، وكان ذلك خشية أن يفتتن المسلمون به وبانتصاراته التي زادت كثيرًا آنذاك.
بدأت المعركة وكانت الحماسة مسيطرة على جنود المسلمين فأعملوا في جيش الروم القتل والفتك حتى أوشكوا على إبادتهم، وأخذ جيش الميمنة مكان الميسرة والعكس حتى بلغ في غمار المعركة نبأ وفاة الخليفة أبو بكر الصديق واستخلاف عمر بن الخطاب من بعده، أما عمر بن الخطاب في تلك الأثناء قد عزل خالد بن الوليد من قيادة الجيش وولى مكانه أبو عبيدة بن الجراح ولكن أبا عبيدة لم يخبر خالدًا بقرار الخليفة وانتظر حتى ينتهي القتال.
انتهت معركة اليرموك بانتصار المسلمين على جيش الروم وقتل المسلمين للقائد الروماني باهان، وبعد أن انتهت تلك المعركة عاد جيش المسلمين لكي ينقسم مرة أخرى إلى أربعة ألوية ولقد تولى كل لواء منهم فتح منطقة معينة من مناطق أرض الشام، فقام يزيد بن أبي سفيان بالخروج من دمشق وفتح كلًا من صيدا وجبيل وبيروت وغرقة، ثم خرج من بعده عمرو بن العاص من فلسطين فقام بفتح نابلس وبيت جبرين ورفح وعمواس وعسقلان، ثم قام شرحبيل ابن حسنة بفتح ما تبقى من أراضي الأردن، وأبو عبيدة بن الجراح سار إلى مدينة حمص لحصارها حتى تمكن من فتحها مرة أخرى وبعدها نجح في فتح اللاذقية وحماة ثم قنسرين وحلب وأنطاكية.
دخول عمر بن الخطاب القدس
بعد أن تمكن عمر من إتمام فتح الشام حريّ بنا في ظل الحديث حول معلومات عن عمر بن الخطاب أن نذكر بعض التفاصيل المتعلقة بدخوله إلى القدس، فبعد أن نجح عمرو بن العاص في فتح مدينة رفح ولكن اشترط البابا صفرنيوس أن يسلم مفاتيح القدس إلى خليفة المسلمين بنفسه وليس لواحد من نوابه.
أتى عمر بن الخطاب إلى كنيسة القيامة بالفعل وتسلم مفاتيح بين المقدس من البابا ثم عقد ما سميت بالعهدة العمرية، وفيها أمّن مسيحيي القدس جميعهم على أموالهم وأولادهم وديارهم وأراضيهم ووعدهم بألا يمسهم سوءًا وكانت العهدة العمرية في العام الخامس عشر للهجرة، ثم ذهب بعدها إلى المسجد الأقصى وقال “لبيك اللهمَّ لبيك، بما هو أحب إليك” ثم صلى في محراب داوود.
معلومات متفرقة عن عمر بن الخطاب
إن ما بقي من معلومات عن عمر بن الخطاب لم يعد كثيرًا لذا يمكن تلخيصه في السطور التالية:
- جاهد عمر بن الخطاب في دعوة الناس من أجل الانضمام إلى جيوش الإسلام لكي يتم الله عليهم نعمة فتح العراق بالكامل وبناءً على ذلك تم الفتح.
- لولا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم تكن مصر تعرف شيئًا عن الإسلام ولم يكن ليتم فتحها أبدًا لولا جهود عمر بن الخطاب.
- كان لعمر بن الخطاب الفضل الكبير في حفظ المصحف الشريف من الضياع لكونه أمر بأن تتم كتابة نسخ أكثر من المصحف الذي تم جمعه في عهد أبو بكر.
- كان عمر بن الخطاب هو أول من أنشأ جيشًا إسلاميًا نظاميًا.
- خلال عهد عمر عرف المسلمين الكثير من الأسلحة التي لم يدركوها من قبل مثل المجانيق وأكباش الدك والدبابة وأبراج لحصار، ولقد كان الفضل لعمر بن الخطاب بأن أدخل كل تلك الأسلحة إلى حوزة المسلمين.
- كان عمر بن الخطاب هو أول من ابتكر فكرة السجون في المجتمع الإسلامي، فبلدًا من أن يوضع المجرمون في المسجد ويتم حبسهم فيها صار لهم مكانًا خاصًا بهم.
- كان عمر بن الخطاب أعدل العادلين من البشر على مر الأزمنة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولولاه ما عرف المسلمون كيف يفرقون بين الحق والباطل.
- كان عمر بن الخطاب هو أول من أنشأ نظام الحسبة وهي وظيفة دينية وضعت من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان عمرًا يعين عليها موظفًا يسمى بالمحتسب وكان ينتقيه بعناية فائقة.
- كان عمر بن الخطاب هو واضع التأريخ بالعام الهجري.
اقرأ أيضًا: العشرة المبشرين بالجنة عند الشيعة
وفاة عمر بن الخطاب
إن أخر ما يمكن ذكره من معلومان عن عمر بن الخطاب هو كيف كانت وفاته، فإنه في شهر أكتوبر من عام 644م توجه عمر بن الخطاب إلى مكة المكرمة قاصدًا أداء فريضة الحج، وكانت هناك آنذاك مؤامرة تحاك ضده من أجل اغتياله فتتبعه المتآمرون منذ أن خرج وحتى وصوله إلى جبل عرفات.
عندما أتى وقت صلاة الفجر خرج على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ساجد يقوم بالناس بصلاة الفجر، قام أبو لؤلؤة المجوسي بطعنه ست طعنات شرسة بخنجر مسموم ذات نصلين وكان ذلك في يوم الأربعاء الموافق لليوم السادس والعشرين من شهر ذي الحجة عام 644م.
ثم حمل جسد عمر بن الخطاب إلى منزله والدماء تسيل منه قبل طلوع الشمس مباشرة، وحاول المسلمون الإمساك بالقاتل فقام بطعن أحد عشر رجلًا منهم وتوفي ستة رجال من بينهم على إثر طعناته، ولما رأى عبد الرحمن بن عوف ما يحدث قام بإلقاء رداءه على أبو لؤلؤة فتعثر وسقط، عندها أدرك أنه هالك لا محالة فقام بطعن نفسه منتحرًا وبذلك تموت معه كل المعلومات الخاص بعملية اغتيال عمر.
وصية عمر بن الخطاب
كان عمر بن الخطاب قبل وفاته قد أوصى وصية عامة لمن يستخلفه المسلون عليهم من بعده فقال في وصيته:
أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأوَّلين خيرًا: أن تعرف لهم سابقتهم. وأوصيك بالأنصار خيرًا؛ فاقبل من مُحسنهم وتجاوز عن مُسيئهم. وأوصيك بأهل الأمصار خيرًا؛ فإنّهم ردء العدو، وجباة الأموال والفيء لا تحمل فيئهم إلا عن فضلٍ منهم. وأوصيك بأهل البادية خيرًا؛ فإنّهم أصل العرب، ومادّة الإسلام: أن تأخذ من حواشي أموال أغنيائهم، فتُردَّ على فقرائهم. وأوصيك بأهل الذّمّة خيرًا: أن تقاتل من ورائهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، إذا أدَّوا ما عليهم للمؤمنين طوعا، أو عن يد وهم صاغرون. وأوصيك بتقوى الله وشدة الحذر منه، ومخافة مقته؛ أن يطَّلع منك على ريبة. وأوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشى الناس في الله. وأوصيك بالعدل في الرّعية، والتفرُّغ لحوائجهم وثغورهم. ولا تُؤثِر غنيهم على فقيرهم، فإنّ ذلك -بإذن الله- سلامةٌ لقلبك وحطٌّ لوزرك، وخيرٌ في عاقبة أمرك، حتّى تُفضى من ذلك إلى مّن يعرف سريرتك، ويحول بينك وبين قلبك. وآمرك أن تشتدَّ في أمر الله، وفي حدوده ومعاصيه، على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحدٍ الرّأفة حتى تنتهك منه مثل ما انتهك من حرمه، واجعل الناس سواءّ عندك، لا تبالي على مَنْ وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم. وإياك والأثرة والمحاباة، فيما ولّاك الله مما أفاء الله على المؤمنين، فتجُور وتَظِلم، وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسَّعه الله عليك. وقد أصبحت بمنزلةٍ من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلا وعفّة عمّا بسط الله لك؛ اقترفت به إيمانًا ورضوانًا، وإن غلبك عليه الهوى ومالت بك شهوة، اقترفت به سُخط الله ومعاصيه، وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذّمّة، وقد أوصيتك وحضضتك ونصحت لك، ابتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. واخترت من دلالتك ما كنت دالاً عليه نفسي وولدي، فإن عملت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك، أخذت به نصيبًا وافيًا وحظا وافرا. وإن لم تقبل ذلك ولم يهمَّك، ولم تنزل معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصًا، ورأيك فيه مدخولًا؛ لأن الأهواء مشتركة. ورأس كلُّ خطيئة، والدّاعي إلى كل هلكة إبليس، وقد أضلَّ القرون السالفة قبلك فأوردهم النّار، ولبئس الثمن أن يكون حظَّ امرئ موالاة لعدوّ الله، والداعي إلى معاصيه! ثم اركب الحق وخض إليه الغمرات، وكن واعظا لنفسك. وأناشدك الله لما ترحمت على جماعة المسلمين فأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقَّرت عالمهم. ولا تضربهم فيذلوا، ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم، ولا تجمِّرهم في البعوث فتقطع نسلهم، ولا تجعل المال دولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم، هذه وصيتي إياك، وأشهد الله عليك، وأقرأ عليك السلام.
من خلال عرض كل معلومات عن عمر بن الخطاب يمكننا الجزم بأن هذا الرجل كان عزًا للإسلام بحق كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم من قبل.