هل الإنسان مخير أم مسير
هل الإنسان مخير أم مسير؟ وما رأي أهل الدين في هذا؟ خلق الله الإنسان من طين ثم نفخ فيه الروح، وهذه أعظم صورة لتعظيم الإنسان، ثم كرّمه ومنحه الكثير من النِعم، ولكُل إنسان له واجبات، لذلك يراود أذهان الكثيرين هل الإنسان مخير أم مسير في أداء الواجبات، وهذا ما سنتطرق إليه من خلال منصة وميض، عبر الفقرات الآتية.
هل الإنسان مخير أم مسير؟
الله سبحانه وتعالى كرّم الإنسان حيث ميّزه عن باقي الكائنات بالعقل والتفكير المُجرد لحل المشكلات التي من المُمكن أن يواجها، كما ميّز الإنسان بالنطق والقدرات العقلية، وهذا ما يتسبب في طرح سؤال هل الإنسان مخير أم مسير في الدُنيا؟
إن التسيير يُقصد به الالتزام بفعل ما أمر الله به عز وجل، أما عن التخيير فيُقصد به إمكانية اختيار المرء بالخيرات الكثيرة في الحياة الدُنيا، وصرح بعض علماء الدين أن الإنسان مخير ومسير في الوقت نفسه، مسير من حيث القدر الذي كتبه الله لنا ومكتوب من قبل الخلق ونزول البشرية على الأرض.
الدليل على ما سُبق من القرآن الكريم في سورة الحديد آية 22، قال تعالى:
“مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ”.
كما ذُكرت الكثير من الآيات القرآنية الدالة على ذلك الرأي، وورد في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة لتوضيح الرسول -صلى الله عليه وسلم- لتسيير الإنسان منعًا من الاختلاط في التفكير الذي قد يؤدي إلى الإلحاد في بعض الأحيان، فإن الإنسان مسير في أربعة أشياء وهي: العلم، الكتابة، المشيئة، المقادير.
اقرأ أيضًا: الإنسان مسير أم مخير في حكم الدين والفلسفة
رأي علماء الدين
قد يتبع سؤال الموضوع وهو هل الإنسان مخير أم مسير سؤالًا آخر يراود أذهان الكثيرين وهو هل قدر الإنسان مدون في كتاب قبل خلقه؟ وإذا هذا الصحيح فلِما الإنسان قد يكون مُخير؟ أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- وجوب إيمان المُسلم بالقدر سواء أكان خيرًا أو شر، وذلك وفقًا لِما ورد في الأحاديث الشريفة:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه”.
فكل الأحداث ما هي إلا قدر ومكتوب، والإيمان بالقدر خيره وشره رُكن من أركان الإسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في جواب جبريل عليه السلام حين سُأل عن الإيمان: ” أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره”.
فالإيمان بالقدر قائم على أربعة أمور مثلما ذكرنا أثناء الإجابة على هل الإنسان مخير أم مسير، وهي العلم بأمور الخلق، وكتاب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ، والإيمان بمشيئة الله في كافة الأشياء في السماء أو في الأرض، فلا يتحرك شيء سوى بمشيئته وإذنه تعالى، وتكوين الخلق.
الدليل على هذا في سورة التكوير آية 29 قال تعالى:
(وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
، وقال تعالى في سورة الأنعام آية 59:
(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
قد يراود سؤال آخر في الأذهان وهو هل يُكتب في الصحائف من هو شريك الحياة للإنسان قبل خلقه ويحدُث؟ إن الله سبحانه وتعالى قدر للإنسان أن يتزوج لشخصٍ معين لا يعلم من هو سواه، وإذا اختار الإنسان شخصٍ آخر غيره فمع مرور الوقت سوف يتزوج الشخص الذي كتبه الله له.
اقرأ أيضًا: هل أكاديمية زاد معترف بها
الإيمان بأن الإنسان مسيّر ومخيّر
استكمالًا في الحديث عن هل الإنسان مخير أم مسير، فلا يُمكن الإجذام بأن الإنسان مسيّر مطلق القول أو مخيّر مطلق القول، إنما هو الأمران معًا مسيّر لبعض الأمور ومخيّر لأمور أخرى، التسيير في الأمور القضائية التي ذكرها الله في كتابه مثل القدر، وأي شيء لا يُمكن للإنسان تغييره.
أما التخيير فذلك لأن الله أنعم على الإنسان بالعقل والإرادة التي تُمكنه من التمييز بين الخير والشر والخيار بينهم، فيُثاب على الخيار الصحيح ويجازى على الخيار الخطأ، وطالما أن الإنسان ملتزم بحدود الله عز وجل ولم يخرج عن أوامره فهو حر وهذا من منطلق الدين.
أما من منطلق الفكر فالإنسان حر حرية كاملة طالما لم يتعدى على حدود غيره أو لم يؤذيه، كُل إنسان يختار شكل معيشته ومكان سكنه، وأجاب الشيخ عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية على ذلك قائلًا:
“إن الإنسان مخيّر ومسير والثالثة إرادة جعلها الله له، فالإنسان وهو ذاهب ليصلى لديه إرادة وهو ذاهب لبيت الله لا يجبره الله على فعل أمر معين، كذلك الذي لا يصلى لم ينزل الله له ملكًا يمنعه من الصلاة وإنما بيًن له الفريضة وأهميتها وترك له الاختيار”.
إن الأمور المسيرة هي الأقدار والأرزاق، ويجب على الإنسان أن يؤمن بالقدر بشكل مجمل حتى وإن لم يفهمه، فبعض أحكام القدر لا تندرج أسفل فهم الإنسان، ولكن يجب الإيمان بها وأن يثق في حكمة الله عز وجل ولا يعترض على أي شيء مُقدر له، فبالتأكيد يوجد خلفه حكمة.
استدلالًا على ذلك من السنة النبوية الشريفة ما ورد عن أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا مكذب بقدر).
اقرأ أيضًا: حكم التبرع بالأعضاء بعد الموت
الإنسان بين التسيير والتخيير
مازلنا نستكمل التعرف على هل الإنسان مخير أم مسير، فيجب على كُل شخص الإدراك بأن الله تعالى ميّز الإنسان عن سائر الكائنات الحية على الأرض بالعقل، حتى يتمكن من التفريق بين الصواب والخطأ، حيث قال تعالى في كتابه الكريم في سورة الشمس آية ٨:
“ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها“.
لهذا يُحاسب الإنسان على ما يختاره، فيجازى خيرًا على طريق الخير ويُعاقب إذا اختار طريق الشر، ويرى الإمام بن باز أن الإنسان له مشيئة وله إرادة، وهذا يعني أنه مُخير ومسيّر معًا واستدل على ذلك بقوله:
عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم نطفة ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلماتٍ: بكَتْبِ رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيدٌ، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
إذًن فالإنسان مقدر له الرزق والعمل والموت، وكيفية، وحاله إذا كان يشقى أو سعيد فهي أشياء ثابتة لا يتمكن من تغييره، وهو مخيّر في جميع أفعاله منهم من يختاروا طريق الخير ويجازون بالجنة، ومنهم من يختار طريق الشر ويعاقبون بالنار، ومنهُم المصلي والزاني وكل إنسان مسئول عن اختياره.
يجب على المُسلم أن يُطبق أوامر الله والابتعاد عما نهى عنه كما ذُكر في كتابه الكريم.