عواقب الحسد في الدنيا
عواقب الحسد في الدنيا وخيمةٌ حيث تهلك صاحبها وتعود عليه بالندامة، وتحرمه من الخير والسلامة، فضلًا عن عقاب الله في الآخرة، وسنعرض في هذا المقال بمنصة وميض ما الذي يحصل للحاسد في الدنيا والآخرة، وكيف يُعالَج الحسد وما أنواعه مع ذكر قصتين للحساد وكيف أهلك أصحابه.
عواقب الحسد في الدنيا
إن الحسد مرض قلبيٌّ سيئٌ يتمنى فيه الحاسد أن تزول نعمة غيره؛ إما لأنه لا يمتلكها وإما لأنه لا يريد أن تكون عند أحدٍ غيره والحسد يدل على أن العبد غير راضٍ عن نعم الله وأرزاقه، وساخطٌ على تقسيم الله لها وظنه بأن الله ظلمه، فالظن بأن المحسود سيُضر ظنٌ غير دقيق، بل الضرر والعقوبات للحاسد فقط، والعقوبات التي سينالها الحاسد في الدنيا هي:
1- الألم المستمر
الحسد لا يغير شيئًا من حال المحسود، ولن تزول نعمته كما تمنى الحاسد، بل سيرزقه الله بنِعَمٍ أكثر وأكثر، فكلما رأى الحاسد غيره يتنعم برزق الله يتحسر ويتألم، فيبقى مهمومًا ضائقَ الصدر.
اقرأ أيضًا: حديث الرسول عن الحسد
2- رفض الحاسد قَبولَ الحق
إن كان المحسود ذا شأنٍ عالٍ في الدين أو الدنيا وكان ممن تُسمع كلمته فلن يقبل الحاسد منه شيئًا ولو كان صحيحًا مفيدًا؛ لأنه يراه لا يستحق ما هو فيه من العلم والنعم، مما يجعله يتوهم أن ما يقوله المحسود باطلٌ دائمًا.
فلنا في بني إسرائيل مثالٌ؛ إذ أرسل الله إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم لتعليمهم الدين، فكفروا به ولم يقبلوا فضلًا عن أن يتقبلوا ما معه من الحق، فقال تعالى:
(وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ) [البقرة 109]
3- انتشار الجريمة
استمرار الحسد في قلب الحاسد قد ينتهي به إلى محاولة إيذاء المحسود لإزالة النعمة باليد والقوة أو بالحيلة والمكر، ولو فعل كل حاسدٍ بالمحسود ما يريد لتأذى الناس وخربت دنياهم، بل قد يقتل الحاسد محسوده من شدة بغضه له.
4- العجب والغرور
حيث يوهم الحاسد نفسه بأنه أفضل من المحسود في كل شيء، وسواءٌ كان خيرًا منه حقًّا أو لا، فهذا التفكير يؤدي بالحاسد إلى رؤية نفسه أفضل الناس، فيفتخر بكل عملٍ يعمله ولو كان طَبَيعيًّا، والمعجب المغرور لا يرى إلا نفسه، ولا يحب أن يكون في الناس من هو أعلى منه، وهذه من أشد عواقب الحسد في الدنيا.
5- العداوة والبغضاء
إن الحاسد قد لا يؤذيه بيده كما قلنا في العاقبة الثالثة، بل قد يُكِنُّ له الكرهَ والعداوة في قلبه فتظهر في أفعاله وإن لم يرد إظهارها، فيعاديه ويغتابه لمجرد أنه لا يرى النعم التي رزقها الله له عادلة، والناس أيضًا يعادونه ويكرهونه إن علموا حسدَه لغيره.
6- فشله وانحطاط منزلته
إن انشغال الحاسد بحياة غيره وما فيها من النعم تجعله لا يهتم بنفسه، فكل همه انخفاض مكانة غيره وذهاب النعم منه، فلا هو ارتفع وعلت منزلته المالية، الدنيوية والدينية، ولا أصاب الضرر المحسود شيء، فالحاسد هو الخاسر.
7- الحرمان من التوفيق
لأن الحاسد يعترض على قضاء الله وقدره فيحرمه الله ـ عز وجل ـ من الخير والتوفيق، فلا يرزقه النجاح والفلاح في خطواته وقراراته.
اقرأ أيضًا: كيف أرقي نفسي من العين والحسد
عقوبة الحاسد في الآخرة
مع أن عواقب الحسد في الدنيا خطيرةٌ، إلا أن عواقب الآخرة أشد وأبقى، والله سبحانه حرم الحسد بقوله آيات سورة الفلق، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“لا تحاسدوا” [صحيح مسلم]، وعقوباته في الآخرة هي:
- فوعد الله المؤمنين فقط بالجنة، والحاسد ليس مؤمنًا؛ لأنه لا يصدّق الله في توزيعه للرزق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“لا يجتمعان في قلب عبدٍ الإيمانُ والحسد” [صحيح الجامع]، فعدم إيمانه قد يتسبب في حسابه بالآخرة. - فلكل عبد ميزان للحسنات والسيئات، وتكون كفة السيئات ثقيلة بالذنوب للحاسد، فهو من كبائر الذنوب؛ لأنه أول ذنب ارتُكب في الأرض لما حسد إبليس آدم بقوله: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) [الأعراف 12]، فإن كانت كفة السيئات ثقيلة بذنوب الحسد ففيه حساب من الله قبل دخول الجنة.
علاج الحسد ودواؤه
للبعد عن عواقب الحسد في الدنيا والآخرة فيجب مداواة القلب وإبعاد ما سبب الحسد فيه، ليتوب العبد إلى ربه ويبعد عن نفسه الحسد ويرضى بقضاء الله، وعلاج الحسد يكون بإتمام ما في النقاط التالية:
- ترك الناس وأحوالهم وأرزاقهم، والانشغال بالنفس وعبادة الله.
- النظر في الأعمال الصالحة لا في الدنيا، فالحسد في الطاعات جائز لأنه يورث صاحبه المنافسة وحب فعل الطاعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ، وآناءَ النَّهارِ، فَسَمِعَهُ جارٌ له، فقالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَهو يُهْلِكُهُ في الحَقِّ، فقالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ” [صحيح مسلم]. - الدعاء بالزيادة والبركة عند رؤية نعم الناس، كأن يقول: اللهم بارك له وزده.
- الرضا بأن رزقه كافٍ له مناسب لمعيشته، فالله أعلم بتقسيم الأرزاق، يعطي من يشاء.
- التوكل على الله بالعلم بأنه كافيه ورازقه وأنه مَن دونَه فانٍ.
اقرأ أيضًا: آيات ابطال السحر والعين والحسد والمس مكتوبة
علامات الحاسد
نتطرق هنا إلى توضيح كيف يعرف الناس الحاسد ليحذروا منه ويبتعدوا عنه، إذ لا يستطيع الحاسد إخفاء حسده وكتمانه، ولو أراد لظهر على فلتات لسانه وأفعاله، وعلاماته هي:
- يتغير لونه وتعابير وجهه.
- لا يسلم على المحسود.
- إن اجتمع معه في مكان يبتعد عنه.
- إن تكلم المحسود غضب الحاسد وربما غادر.
- يخالف الحاسد المحسود دائمًا في أي شيء.
أنواع الحسد
ذكر العلماء أن الحسد ثلاثة أنواع، كل نوع يختلف عن غيره في الحكم والأُثر، وهي:
- الحسد الخفي: لا يظهره الحاسد أبدًا، لا بلسانه ولا بأفعاله، وهذا جائز وليس محرمًا.
- حسد السعادة: برجاء الحاسد أن يرزقه الله بنفس ما عند المحسود من النعم، من دون أن يتمنى زواله عنه، وهذا أيضًا جائز.
- الحسد المحرم: وهو الذي تكلمنا عنه وهو تمني زوال نعمة الغير، ويعد من كبائر الذنوب وله عواقب الحسد في الدنيا والآخرة.
قصص الحسد في الإسلام
قد ذكر الله سبحانه أكثر من قصةٍ ومثال على الحسد لنتعلم منها ونبتعد عن أفعالهم، وسنذكر ثلاث قصص مشهورة للحساد فيما يأتي:
1- حسد إبليس
فخلق الله آدم وكرَّمه، وأمر الملائكة أن يحيّوه ويعظموه، لكن إبليس رأى نفسه أكبر وأفضل منه، فرفض السجود وقال إنه خيرٌ منه لأنه من نار أما آدم فمن طين، ففضلًا عن أن الطين أفضل من النار لكن الحسد جعله يعصي أمر ربه مما أدى إلى طرده من رحمة الله.
فأصبح حسد إبليس لآدم أول معصية عُصي الله بها، ومن شدة ضلال إبليس وتأثير الحسد عليه أراد إضلال بني آدم كلهم، ليكونوا مثله في الضلال والخسران، فالحاسد يكره أن يرى غيره خيرًا منه، فالحاسد شبيه بإبليس ومن جنده كما قال العالم عبد الله ابن القيم.
اقرأ أيضًا: الفرق بين الحسد والغبطة
2- حسد إخوة يوسف
فالحسد جعلهم يكذبون ليوافق أبيهم على ذهابه معهم ليقتلوه، مع أن يوسف لا يملك شيئًا في النعم التي أعطاها الله له، بل هي محض رزقٍ واصطفاء؛ والنعمة التي حسدوه عليها هي أن أباهم يعقوب كان يعتني بيوسف وأخيه أكثر منهم، فكرهوه وحاولوا قتله.
الحسد مرض قلبي أشد من مرض الجسد، والحاسد يظل في هم وغمٍ وكَبَد، إلى أن يفيق من سكرته ويتوب إلى ربه، ومن كان حاسدًا فليحسد على الآخرة لينافس عليها، لا على الدنيا الفانية التي يجب الفرار منها.