هل الدعاء يغير مافي الارحام
هل الدعاء يغير ما في الارحام؟ وما حكم الدعاء بتغيير جنس الجنين؟ نعلم أن الله كتب لنا الأرزاق والآجال جميعًا في اللوح المحفوظ، ومقادير الخلق كافة، وهو أعلم بما في الأرحام، إلا أنه سبحانه أمرنا بالسعي وأمرنا كذلك بالدعاء، كما وعدنا بالاستجابة لأنه أرحم الراحمين.. ومن خلال منصة وميض يسعنا أن نتطرق إلى علاقة الدعاء وجنس الجنين فيما يلي.
هل الدعاء يغير ما في الارحام؟
بادئ ذي بدء نذكر قول أشرف الخلق –صلى الله عليه وسلم-: “إذَا مَرَّ بالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قالَ: يا رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ، أَجَلُهُ؟ فيَقولُ رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ، رِزْقُهُ؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ المَلَكُ بالصَّحِيفَةِ في يَدِهِ، فلا يَزِيدُ علَى ما أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ” (صحيح مسلم).
ما دلت عليه السنة النبوية الشريفة أن الجنين يُشكل نوعه بعد إتمام 45 يومًا من الحمل على سبيل الزيادة، لذا قبل تلك المدة لا ضير في الدعاء إلى الله أملًا في جنس بعينه، قبل أن يؤمر الملكين بتشكيل نوعه وكتابة أجله ورزقه في الدنيا.. فلربما يصادف دعاء العبد رجلًا أو امرأة في ساعة استجابة فيُقبل منه الدعاء، لإخلاصه وصدق نواياه.
إن الأجنة والإنجاب من أنواع الرزق في الدنيا، والله يرزق من يشاء ويمنع عمن يشاء، فيجعل أحدهما له من الذرية الصالحة، وآخر له من الذرية الطالحة.. وآخر يُصاب بالعقم، وكل ذلك بحكمة منه بالغة لا يعلمها إلا هو سبحانه علّام الغيوب.
فبالنسبة للجنين، إن قدّر الله أنه يُغير سيتغير، وإن لم يشأ فلا، ولأن العبد يجعل ما في قدره فإنه يلجأ إلى الله بالدعاء، على يقين أن من الدعاء ما يرد القدر ارتباطًا بمشيئة الرحمن وأمره.. هكذا نكون قد أجبنا باستفاضة عن السؤال المطروح هل الدعاء يغير ما في الارحام.
اقرأ أيضًا: الدعاء للجنين في بطن امه
حكم الدعاء بتغيير جنس الجنين
قال الله تعالى في سورة الشورى: “لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)”.
يُذكر أنه في حالة التحقق من جنس الجنين بإحدى الوسائل الطبية المعروفة لا يجب الدعاء بتغيير نوعه، لأن فيه نوع من الاعتراض على قضاء الله ومشيئته، وما عند الله من شيء إلا خيرًا، ففي تلك الحالة يكون بمثابة الاعتداء في الدعاء وهو ليس من آدابه.
اقرأ أيضًا: دعاء لحفظ الجنين من الحسد
ويعلم ما في الأرحام
من ضمن ما استأثر به الله في معرفته الأمور الغيبية، والتي منها ما بالأرحام، فقد قال الله تعالى في محكم التنزيل: “إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)” سورة لقمان.
لمّا اختص الله سبحانه علم الأرحام له وحده، اعتقد البعض أن العلم الحديث قد توصل إلى تلك الأمور الغيبية من خلال الأجهزة الحديثة بعد أن يُكون الجنين ببضعة شعور، وأولئك أصحاب نظرة قاصرة، لا يعلمون مضمون ما اختصه الله به لنفسه، فعلم الأرحام لا يقتصر على مجرد معرفة نوع الجنين في بطن أمه.
فقد أعطانا الله في القرآن الكريم أكثر من مثال لتوضيح المقصد من كلمة “ما في الأرحام”، فقد قال الله تعالى: “هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)” سورة آل عمران.
فعندما دعا زكريا عليه السلام وهو في محراب مريم أن الله يرزقه من الذرية ويهب له ولدًا، سرعان ما وجد قدرة الله في الرزق، فقد أنزل الله ملائكته على نبي الله ليخبروه ببشرى ولادة نبي الله يحيى، وامرأته قد بلغت من العمر عتيًا، وهذا من إعجاز الخالق.
إلا أننا نسلط الضوء هنا ارتباطًا بحديثنا في جواب سؤال هل الدعاء يغير ما في الارحام أن الدعاء لم يكن وامرأته حامل، بل كانت لم تنجب من الأساس.. وهذا هو ما يحمل أجلّ المعاني في علم الله بما في الأرحام، فبشرى النبيّ بالولد كانت قبل الحمل ليست كمثل الطرق الطبية الحديثة التي تدرك جنس الجنين بعد بلوغه من العمر شهورًا.
فعلم الله بما في الأرحام يتجاوز معرفة نوع الجنين، بل هو أوسع من ذلك وأشمل، فهو من وضع مقادير الخلائق أجمعين.
اقرأ أيضًا: دعاء لحفظ الجنين من التشوهات
هل الدعاء يرد القضاء؟
من المعلوم أن هناك أقدار معلقة على أشياء معينة، كبر الوالدين وصلة الرحم، والله لا تخفى عليه خافية، فقد جعل البر من أسباب البركة والزيادة في الصحة والعمر.. وهنا ندرك أن هناك أقدار تتعلق على أساس أسبابها، وعلى جانب آخر هناك أقدار محكمة لا فيها تغيير أو رجعة.
فتلك الأقدار المحكمة لا يُمكن للدعاء ردها، كالسعادة والشقاء على سبيل المثال، وكل شيء معرض للتغيير هو بيد الله تعالى فقط، فقد قال الله في سورة الرعد: “وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)”.
لكن ما يعنينا ذكره في نطاق الإجابة على سؤال هل الدعاء يغير ما في الارحام أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالدعاء وشرع لنا أسباب الاستجابة، فمن يشرع بنية صادقة في قدر من الأقدار المعلقة وسأل ربه بإخلاص فمن الممكن أن يكون القدر ليس محتمًا بحيث يكون من شأن الدعاء أن يرده.
ما يوجز مرادنا من القول الحديث الشريف: “قالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أفَلَا نَتَّكِلُ علَى كِتَابِنَا ونَدَعُ العَمَلَ؟ فمَن كانَ مِنَّا مِن أهْلِ السَّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ إلى عَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، ومَن كانَ مِنَّا مِن أهْلِ الشَّقَاءِ، فَسَيَصِيرُ إلى عَمَلِ أهْلِ الشَّقَاوَةِ، قالَ: أمَّا أهْلُ السَّعَادَةِ فيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، وأَمَّا أهْلُ الشَّقَاوَةِ فيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقَاءِ. ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}” (صحيح البخاري).
أما عن نوع الجنين فهو مصنف من الأقدار المحتومة، إلا أن هذا لا ينفي أنه على العبد الاجتهاد في الدعاء قدر استطاعته.. على يقين بأن الأشياء المقدرة قد مضى علم الله فيها، إلا أن الله يوفق العباد إلى الأسباب التي تيسرهم إلى ما قد قُدر لهم.
إن الله سبحانه وتعالى قدر مقادير الخلق قبل خلقهم، فهو المحيط بما كان وبما سيكون، وتلك المقادير ليست عن جبر وإكراه إنما بتخيير وتيسير الأمور لبني آدم بما ينفعهم في الدارين.