التفكر في خلق الله وأثره
التفكر في خلق الله يزيد المسلم إيمانه وصفاء قلبه، يكشف لنا عن عظمة الخالق سبحانه وتعالى، ويجعل أي إنسان يقر بالوحدانية لله وحده عز وجل، ويتواضع لقدرته، ويزيد من محاسبة نفسه على أخطائها؛ فيزداد إيمانه وصفاء قلبه، ويورثه الله الحكمة، ويحيى قلبه، ويجعل فيه الخشية والخوف من الله عز وجل، فما طال فكر امرئ إلا علم، وما علم إنسان قط إلا عمل بعلمه، ولو تفكر الإنسان في عظمة الله سبحانه وتعالى ما تجرأ على عصيانه، وهذا ما سنتناوله من خلال السطور التالية من خلال موقع وميض.
التفكر في خلق الله
- اعلم أيها المسلم أن كلمة التفكر معناها في الاصطلاح الشرعي: إعمال عقل الإنسان في معاني الآيات الشرعية والكونية وأسرارها عن طريق التدبر، والتأمل وملاحظة أوجه الجمال، والكمال، وحسن التنظيم، ومشاهدة الدقة، والسنن الكونية، والعبرة من وراء ذلك، والتماس الحكمة.
- عبادة التفكر في خلق الله وشرعه سبحانه وتعالى لعباده المسلمين والمسلمات في شريعة الإسلام به الكثير من العبادات، وتلك العبادات متنوعة وكثيرة، وليست كلها عبادات قولية ظاهرة أو بدنية فعلية، ومن هذه العبادات ما هو عبادة بالقلب وهي عبادة باطنة لا يطلع عليها سوى الله عز وجل، وحكمة الله من ذلك التنوع في العبادة أن يظل الإنسان في رغبة وشوق لعبادة الله سبحانه وتعالى.
- فلا يمل المسلم من العبادة إلا إذا كانت على نوع ونسق واحد، وعبادة التفكر في خلق الله عز وجل، وقدرته وعظمته عبادة قلبية وهي ما تسمى بـ العبادة الصامتة، وهي تحدث في قلب الإنسان وتظهر أثارها على أفعاله وأقواله، فلا يستخدم المسلم في هذه العبادة يده ولا لسانه ولا جوارحه، وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات التى يمتدح الله سبحانه وتعالى فيها من أحيا بقلبه عبادة التأمل والتفكر في خلق الله.
شاهد أيضا: فضل سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم مكتوب
مجالات التفكر في خلق الله
- الآيات الشرعية الواردة في القرآن الكريم؛ ويكون التفكر فيها بأن يلاحظ فصاحة وبلاغة الكلمات، وحسن العرض في الآيات، وبيان المعاني المرادة منها، والأحكام الواردة فيها،
وما في هذه الأحكام من دقة في التشريع، وأسلوب يسير في إيصال القضايا الخاصة بالتوحيد والأخلاق وغيرها من القضايا.
- التفكر في آيات الله الكونية العظيمة وما فيها من جمال وإبداع وإتقان، مثل التأمل في خلق الجبال، والأشجار وجريان البحار والأنهار، والطبيعة وما فيها من مناظر جميلة وخلابة، والتفكر في تقلب الليل والنهار وما صاحب ذلك من تغيير جذري في أحوال الأرض، ويعلم الإنسان بهذا التفكر كيف أن جميع ما في الكون سائر تبع نظام دقيق لا يتخلف ولا يتبدل.
- التفكر في تكوين جسم الإنسان، وما فيه من آيات وعبر، فالله عز وجل خلق الإنسان في أحسن صورة، وجعل أعضاؤه متكاملة ومنسجمة، حتى يؤدى كل عضو منها وظيفته بدرجة عالية من الإتقان والدقة.
- التأمل في الطبائع البشرية، وكيف أن الله سبحانه وتعالى جبلهم على أمور كثيرة منها: الحرص علي الدنيا وحب المال والشهرة والرئاسة والحرص علي التملك وعمارة الأرض وحب الخلود.
- التفكر في الكائنات الحية المتنوعة، في أشكالها المختلفة، وأنواعها المتباينة، وأساليب حياتها التي وفرها الله لها، وقد هيأ الله لها الظروف والأحوال المناسبة حتى تعيش حياتها بيسر وسهولة، والتأمل في كيفية خلقها نشأتها وطباعها المختلفة
- التفكر في أحوال الدنيا المتقلبة، وعظم فتنتها، وسرعة زوالها، وتقلب أحداثها، وما في هذه الدنيا من مشاق وصعوبات وابتلاءات وأكدار، فأي إنسان فتنته الدنيا وجرى خلفها لن يجد فيها إلا المهانة والخسران.
- التفكر في قصص الأمم السابقة التي أخبر الله عز وجل عنها، وكيف أنهم قد غرتهم الدنيا بأنفسهم وجعلتهم مستكبرين عن عبادة الله عزّ وجلّ، وكان نتيجة ذلك أن الله أهلكهم وابادهم، ولم يتبقى منهم إلا آثارهم التي تركوها خلفهم حتى يعتبر الناس بها.
شاهد أيضا: ومن يتق الله يجعل له مخرجًا سبب نزول الآية وتفسيرها
شعور المسلم بعد التفكر في خلق الله
إن المرء المسلم إذا تفكر في مخلوقات الله جميعا، فلابد من شعوره بالإيجابية المتنوعة التي منها وتنتج من هذه الإيجابية الأمور التالية:
- علم المسلم بواسع قدرة الله ودقة إتقانه في خلقه للمخلوقات.
- تزيد قوة الإيمان لدى المسلم بسعة علم الله ومعرفته بخلقه.
- معرفة العبد لنفسه ومدى افتقاره إلى الله، وبذلك يزيد تذلل العبد إلى الله تعالى، ويعرف مدى عجز البشر أمام قدرة الله، وقلة حيلتهم
- معرفة العبد سعة رحمة الله، وكثرة إحسانه إلى خلقه.
- معرفة العبد عظم ثواب عبادة التفكر وأنه من صفات أولي الألباب، في التفكر من أعظم العبادات التي تقود المسلم إلى شعوره بالخشوع ولذة المناجاة لله تعالى.
- معرفة العبد عظم حق الله على عباده، وعظيم فضله على خلقه.
- معرفة العبد أن التفكر عبادة يثاب عليها بل هو من أجل العبادات.
- معرفة العبد أن التأمل في خلق الله تعالى يورث الإنسان الحكمة.
- التأمل يزرع في قلب الإنسان خشية الله وتعظيم شأنه.
- التفكر يحيي في قلب الإنسان معاني عظيمة.
- التفكر يعين الإنسان على معرفة عيوبه ومميزاته.
- التأمل يقوى من إيمان العبد المسلم.
- التأمل يقوى في قلب العبد معنى توحيد الله والتسليم له سبحانه.
- التفكر يرى العبد المسلم من عظمة الله وقدرته سبحانه على الخلق والتدبير.
- التفكر يفتح للعبد أبواب من العلم والمعرفة، ويكسب الإنسان معارف وعلوم جديدة تنفعه في سائر أمور حياته.
- التفكر عبادة من أجل العبادات توصل العبد إلى الخضوع لله تعالى والخضوع له سبحانه.
- التأمل والتفكر من صفات العلماء الأنقياء.
العبادة التفكر مجالات كثيرة و أبوابا واسعة ويمكن للمسلم إعمال عقله بالتأمل فيها، والتفكر له الكثير من الفوائد والثمرات العظيمة، ومع ذلك فإن عدد كبير من الناس يتركون هذه العبادة ويغفلون عنها وينشغلون عن تحصيل المنافع التي فيها، ومن الأشياء التي تعين الإنسان على القيام بهذه العبادة والمداومة عليها أمور منها
- ترك الانشغال الكثير بالدنيا وأحوال الناس، ويتحقق ذلك بالخلوة بالنفس.
- واعتزال المعاملة مع الناس في بعض الوقت
- الابتعاد عن مشاغل الدنيا وعوامل الترف والرفاهية المحيطة بالإنسان.
شاهد أيضا: اللهم أنت الصاحب في السفر وما هي وصية النبي عند السفر
أحوال السلف الصالح مع عبادة التفكر
ضرب لنا السلف الصالح من التابعين الكثير من الأمثلة الكثيرة في الحرص على القيام بعبادة التفكر في خلق الله عز وجل، ولقد وردت الكثير من الأقوال عنهم في ذلك، والتي تدل على أهمية هذه العبادة في حياتهم.
- فقد كان الإمام أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه يقول إنه عندما يخرج من بيته يتأمل خلق الله في كل ما تقع عليه عيناه، يري في كل شئ عبرة وعظة.
- وقد كان الامام ابن عباس رضي الله عنهما يقول دائما إن في تأمله في خلق الله ساعة، وتأمل سننه في الشرع والكون خير من قيامه ليلة كاملة.
- وقد كان العالم بشر الحافي يقول إن تفكر الناس وتأملها في عظمة الله سبحانه وتعالى سيجعلهم لا يقدرون على معصيته من شدة خوفهم منه.
- وقد كان الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه يرى أن التفكر في نعم الله على العبد من أجل أنواع العبادات وأفضلها.
ملخص المقال
- التفكر في خلق الله عبادة قلبية من أفضل العبادات.
- التفكر يكون في خلق الأرض والسماء والليل والنهار.
- ثمرات التفكر كثيرة فهو يورث الخشية من الله مع محبته.
- العلماء والسلف الصالح كانوا يعتبرون التفكر من أسرع التي تقربهم إلى الله
وفي ختام هذا المقال، أوصيك أن تكثر من التفكر في خلق الله فلربما من خلال هذا التفكر تتضح لك معالم كانت خفية عليك، أو أسرار كانت مجهولة عنك، فما أجمل الجلوس في مكان هادئ والتأمل في ملكوت خلق الله من السماوات والأرض، و بديع مخلوقاته تعالى.