زوجتي رافعة على قضية نفقة
كثيرًا ما نرى عنوان زوجتي رافعة على قضية نفقة يتصدر الكثير من الصحف والجرائد وكذلك صفحات ومواقع الإنترنت، فالطلاق قد أصبح شائعًا منتشرًا وارتفعت معدلاته إلى حد كبير في الآونة الأخيرة، وكثيرًا ما ينتج عنه مشاكل متعددة تخص حقوق كلًا من الرجل والمرأة بعد الطلاق وعلى رأسها النفقة، وسوف نعرض من خلال منصة وميض كل ما يخص هذه المشكلة في إطار الشرع والقانون.
زوجتي رافعة على قضية نفقة
ليس غريبًا أن نجد بعض الرجال يرددون جملة زوجتي رافعة على قضية نفقة ماذا أفعل؟ ومن المتعارف عليه أن النفقة واحدًا من حقوق المرأة التي تتقاضاها بعد الانفصال من زوجها، وتكون النفقة إما تخصها أو تكون لأولادها، وتتضمن نفقة المتعة الخاصة بالزوجة ونفقة الأطفال من مأكل وملبس ومشرب ومسكن مصاريف تعليم وغيرها.
حينما يقرر الزوجان الانفصال عن بعضهما فإن الرجل ملزوم بدفع نفقة المتعة والمعيشة ومؤخر المرأة الذي سبق وتحدد في عقد الزواج، وإن كان لها أولاد منه فإنه يكن ملزمًا بتوفير كل احتياجات الأولاد حتى يبلغوا سن الرشد، ولا يحق للرجل أن يتنكر لهذه الحقوق وينكرها ففي ذلك عصيان لأوامر الدين الإسلامي وخروجًا على القانون، ثم يشكو مرة أخرى من مشكلة زوجتي رافعة على قضية نفقة!
إن القانون يجرم تملص الرجل وتقاعسه عن سداد النفقة الزوجية للمرأة أو دفع النفقة الشهرية ويعاقبه بالحبس، وكذلك الشرع ينكر على الرجل أن يتهرب من دفع النفقة الخاصة بالزوجة السابقة والأولاد، فمن الأفضل أن يساوي الطرفان هذه المسألة وديًا وأن يدي الرجل ما عليه من واجبات وألا يدع الأمر يصل إلى القضاء.
اقرأ أيضًا: هل يمكن رفع قضية نفقة بدون طلاق
النفقة الواجبة على الرجل
في إطار الحديث حول مشكلة زوجتي رافعة على قضية نفقة التي يطرحها بعض الرجال، يجب أن نتعرف عن كثب إلى النفقة بوجه عام، وهي ليست فقط المال الذي يدفعه الرجل للمرأة إذا تطلقت منه أو يدفعه لأولاده منها كل شهر، بل أكد فقهاء وعلماء الإسلام أن للنفقة المقررة للمرأة وأولادها والواجبة على الرجل أكثر من شكل وصورة.
مثلًا تكون النفقة في توفير الزوج مسكنًا للمرأة ولأولاده منها يضمن لهم عدم التشرد ويحميهم من برد الشتاء وحرارة الصيف، وتكون في شكل ملبس يكسوهم ويصونهم عن الابتذال ويعفهم من التعري ويشترط ألا يكون أقل مما يرتديه أقرانهم، وتكون أيضًا في صورة أموال ليأكلوا منها ويعالجون الأمراض ويكملوا مرحلة التعليم.
اقرأ أيضًا: وقف تنفيذ حكم حبس متجمد نفقة
حكم الشرع نفقة الرجل على الزوجة والأبناء
لقد أشار علماء الدين الإسلامي إلى أن الرجل ملزم بدفع النفقة لزوجته عند الطلاق وملزم بدفعها لأولاده من بعد الطلاق، ولقد أكدوا على صحة ذلك ووجوبه بالشرع واستنادًا لكتاب الله الحكيم
(لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [سورة الطلاق، الآية رقم 9]
تشير الآيات الكريمة إلى إلزام الرجل بكفالة أولاده من مأكل ومشرب وملبس ومسكن قدر استطاعته، فلا يحل له ولا يجوز أن يكون مقتدرًا من الناحية المادية ويقطر على أبنائه في الإنفاق ولا يحل له أن يكون موسعًا فينفق عليهم بتبذير لأن ذلك سيفسدهم فيما بعد، ولا يحق له أن يحرم زوجته أو طليقته من حقها بالنفقة حينما يقررا الانفصال.
ليست هذه الآية القرآنية هي الدليل الوحيد على وجوب النفقة على الرجل، بل سبق وأشار النبي صلى الله عليه وسلم على وجوبها عليه وإلزامه بكفالة أهل بيته قبل وبعد وقوع الطلاق بينه وبين الزوجة، فعن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:
“جَاءَتْ هِنْدُ بنْتُ عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، واللَّهِ ما كانَ علَى ظَهْرِ الأرْضِ أهْلُ خِبَاءٍ أحَبَّ إلَيَّ أنْ يَذِلُّوا مِن أهْلِ خِبَائِكَ، وما أصْبَحَ اليومَ علَى ظَهْرِ الأرْضِ أهْلُ خِبَاءٍ أحَبَّ إلَيَّ أنْ يَعِزُّوا مِن أهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ قالَتْ: إنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهلْ عَلَيَّ مِن حَرَجٍ أنْ أُطْعِمَ مِنَ الذي له عِيَالَنَا؟ قالَ لَهَا: لا حَرَجَ عَلَيْكِ أنْ تُطْعِمِيهِمْ مِن مَعروفٍ“
روته أم المؤمنين عائشة، وحدثه الإمام البخاري، المصدر: صحيح البخاري، حكم الحديث: صحيح الإسناد.
كل تلك النصوص الدينية الصحيحة تجزم بحق المرأة في الحصول على نفقتها كاملة بعد الطلاق، شاملة نفقتها الخاصة ونفقة المتعة وغيرها من الحقوق المتعارف عليها، بالإضافة إلى نفقة الأولاد أيًا كان عددهم حتى وإن كان طفلًا واحدًا، ولا يستحق اسم وصفة وسمات الرجل من يحاول التهرب من دفع حق النفقة لأهل بيته إن لم يمن إكرامًا للعشرة والمعروف بينهم فيما مضى فامتثالًا لأوامر الله سبحانه وتعالى وتعاليم الدين الإسلامي وتطبيقًا للشريعة الإسلامية.
اقرأ أيضًا: مقدار نفقة الزوجة في القانون المصري
لا داعي لِأن يسأل الرجل عن حل لمشكلة زوجتي رافعة على قضية نفقة، فعلى كل منهما أن يكرما حق العشرة والمودة والرحمة التي كانت بينهما في يوم من الأيام، وأن يفكرا في مصلحة أولادهما الذين سيكبرون وهم معقدون من فكرة الزواج لما رأوه بين الأب والأم في صغرهم من نزاعات.