ألاعيب الهروب من النفقة
ما هي ألاعيب الهروب من النفقة؟ وما هو حكم الشريعة الإسلامية في التهرب من النفقة؟ تعد قضايا النفقة من أهم القضايا والدعاوى التي ترفع من النساء ضد الرجال بعد وقوع الطلاق بينهما، وهي تكون جزءًا من حقوق أخرى كثيرة مثل الحضانة والرؤية وغيرها، ولكن من الظواهر المنتشرة في هذا الإطار أن نرى الرجال يحاولون التهرب من أداء تلك الحقوق الشرعية والقانونية بوسائل دنيئة، سنتعرف إليها بالكامل من خلال منصة وميض.
ألاعيب الهروب من النفقة
في حال وقوع الطلاق بين الزوجين وكان الأولاد في سن الحضانة، فإنهم يكونون مع والدتهم ولا يسمح القانون للأب بأخذهم إلا في حالات معينة، وفي هذه الحالة يكون الرجل ملزومًا حسب الشرع والقانون بأن يدفع لزوجته السابقة نفقة شهرية تكون للأولاد سواءً كان عدد الأطفال واحدًا أو أكثر، ويتم تحديد مبلغ النفقة من قبل محكمة الأسرة ويسدد المبلغ كل شهر في موعد معين.
هناك فئة من أشباه الرجال يقومون ببعض ألاعيب الهروب من النفقة سواءً كانت النفقة للزوجة بعد الطلاق أو نفقة شهرية للأطفال، ويحاولون التحايل على القانون وحتى على شرع الله لكيلا يؤدوا إلى النساء حقهن وللأطفال ما يحتاجون إليه من أموال حتى يتربوا بشكل سليم، وهناك الكثير من ألاعيب الهروب من النفقة التي يتبعها هؤلاء ومن أشهرها:
1- تزوير مفردات الراتب
يستخدم بعض الرجال هذه الحيلة لأن محكمة الأسرة تقضي بمبلغ معين للنفقة يدفع للأطفال كل شهر أو مبلغ النفقة الذي يدفع للزوجة بعد الطلاق، بموجب بيان يتضمن مفردات راتب أو دخل الزوج من جهة العمل التي ينتمي إليها، وهنا يتلاعب الزوج بالقانون ويتواطأ مع بعض الفاسدين لكي يعينوه على استصدار بيان بمفردات راتب وهمي.
لأن النفقة حينما يتحدد مبلغها كبيرًا أو صغيرًا أو متوسطًا يكون ذلك بناءً على راتب الزوج، فإذا كان راتبه كبيرًا فإن النفقة تكون كبيرة نسبيًا وإذا كان الراتب متوسطًا فإن النفقة تكون مناسبة لمقداره وإذا كان صغيرًا تكون النفقة بسيطة، وهنا يستخرج الزوج بالخطوات القانونية المتعارف عليها بيانًا بمفردات راتب مزيف غير الذي يتقاضاه في الحقيقة، لكيلا يضطر إلى دفع مبلغ كبير من النفقة كل شهر.
هنا لا تجد المحكمة حلًا سوى أن تقضي بمبلغ من النفقة يتناسب مع بيان مفردات الراتب الخاص بالرجل، وجدير بالذكر أيضًا أن هذه الحيلة ليس من السهل تطبيقها وهي منتشرة أكثر في الدوائر والقطاعات الوظيفية الحكومية أكثر من القطاعات الخاصة.
اقرأ أيضًا: متى يسقط حق المطلقة في النفقة
2- نقل الملكية
يلجأ الرجال إلى هذه الحيلة إما للتملص من دفع مبلغ النفقة للزوجة أو للأبناء وهي واحدة من ألاعيب الهروب من النفقة التي يعتمد عليها بعض الرجال، وهي عبارة عن شكل من أشكال التهرب من دفع المستحقات، وذلك يتم من خلال نقل الرجل لملكية كل شيء يخصه إلى أحد أفراد العائلة مثل الوالدين أو أحد من إخوته.
ذلك لأن المحكمة حينما لا تجد محل عمل معين للرجل تلزمه بأن يخرج نسبة من إجمالي ممتلكاته كنفقة شهرية للأولاد أو نفقة للزوجة عند الطلاق، وبهذا لا يكون الرجل مضطرًا إلى دفع مبلغ كبير من النفقة، وإنما تلزمه المحكمة وفقًا للمستندات الموجودة أمامها بدفع مبلغ زهيد ورمزي للغاية لأولاده كل شهر.
3- تزوير تقرير الطب الشرعي
قد لا يصدق البعض هذا الأمر إلا أنه واقعي وحقيقي جدًا، فبعض الرجال يزورون تقارير الطب الشرعي لكي يخرجوا تقريرًا يؤكد إصابة الرجل بمرض خطير أو بإعاقة ما، وبموجب هذا التقرير لن نقول يعفى الرجل من دفع النفقة بل تلزمه محكمة الأسرة بدفع مبلغ مالي زهيد للغاية لا يكفي أي شيء من النفقة.
يعتمد الرجل في هذه الحيلة على دفع رشوة للقائمين على العمل في الطب الشرعي لكي يخرجوا له شهادة مزورة، تفيد بأنه يعاني من إعاقة أو عجز أو مرض خطير أو حتى مرض عقلي وكل تلك الأشياء تجعله غير قادر على تحمل أي نفقة، ومن الممكن أن يستصدر الرجل هذه الشهادة المزورة من إحدى الجهات الحكومية أو الجهات الخاصة في عيادة أحد الأطباء، فمقابل دفع كبير من المال للطبيب يختم له تقريرًا مزورًا ليقدمه للمحكمة.
اقرأ أيضًا: كيف يتم استقطاع النفقة من الراتب
4- الهروب والتأجيل
يقوم بعض الرجال كلما حان موعد الحكم في قضية النفقة بالتماس التأجيل من المحكمة بشكل متعمد لحجج وأعذار واهية، وذلك ضرب من ضروب المماطلة وهذا تصرف غير رجولي ولا يجوز شرعًا أو دينًا أو قانونًا بأي شكل من الأشكال، وقد تستمر المماطلة في مثل هذه القضايا وتبقى معلقة لأمد طويل قد يكسر حاجز السنتين حتى يتم إلزام الزوج في النهاية بدفع النفقة.
النفقة الواجبة على الرجل
في إطار التعرف إلى ألاعيب الهروب من النفقة التي يتبعها بعض الرجال، يجب أن نتعرف عن كثب إلى النفقة بوجه عام، وهي ليست فقط المال الذي يدفعه الرجل للمرأة إذا تطلقت منه أو يدفعه لأولاده منها كل شهر، بل أكد فقهاء وعلماء الإسلام أن للنفقة المقررة للمرأة وأولادها والواجبة على الرجل أكثر من شكل وصورة.
مثلًا تكون النفقة في توفير الزوج مسكنًا للمرأة ولأولاده منها يضمن لهم عدم التشرد ويحميهم من برد الشتاء وحرارة الصيف، وتكون في شكل ملبس يكسوهم ويصونهم عن الابتذال ويعفهم من التعري ويشترط ألا يكون أقل مما يرتديه أقرانهم، وتكون أيضًا في صورة أموال ليأكلوا منها ويعالجون الأمراض ويكملوا مرحلة التعليم.
اقرأ أيضًا: حالات سقوط النفقة الزوجية في الأردن
حكم نفقة الرجل على الزوجة والأبناء
لقد أشار علماء الدين الإسلامي إلى أن الرجل ملزم بدفع النفقة لزوجته عند الطلاق وملزم بدفعها لأولاده من بعد الطلاق، ولقد أكدوا على صحة ذلك ووجوبه بالشرع واستنادًا لكتاب الله الحكيم
(لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [سورة الطلاق، الآية رقم 9]
تشير الآيات الكريمة إلى إلزام الرجل بكفالة أولاده من مأكل ومشرب وملبس ومسكن قدر استطاعته، فلا يحل له ولا يجوز أن يكون مقتدرًا من الناحية المادية، ويقطر على أبنائه في الإنفاق ولا يحل له أن يكون موسعًا فينفق عليهم بتبذير لأن ذلك سيفسدهم فيما بعد، ولا يحق له أن يحرم زوجته أو طليقته من حقها بالنفقة حينما يقرروا الانفصال.
ليست هذه الآية القرآنية هي الدليل الوحيد على وجوب النفقة على الرجل، بل سبق وأشار النبي صلى الله عليه وسلم على وجوبها عليه وإلزامه بكفالة أهل بيته قبل وبعد وقوع الطلاق بينه وبين الزوجة، فعن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:
“جَاءَتْ هِنْدُ بنْتُ عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، واللَّهِ ما كانَ علَى ظَهْرِ الأرْضِ أهْلُ خِبَاءٍ أحَبَّ إلَيَّ أنْ يَذِلُّوا مِن أهْلِ خِبَائِكَ، وما أصْبَحَ اليومَ علَى ظَهْرِ الأرْضِ أهْلُ خِبَاءٍ أحَبَّ إلَيَّ أنْ يَعِزُّوا مِن أهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ قالَتْ: إنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهلْ عَلَيَّ مِن حَرَجٍ أنْ أُطْعِمَ مِنَ الذي له عِيَالَنَا؟ قالَ لَهَا: لا حَرَجَ عَلَيْكِ أنْ تُطْعِمِيهِمْ مِن مَعروفٍ” روته أم المؤمنين عائشة، وحدثه الإمام البخاري، المصدر: صحيح البخاري، حكم الحديث: صحيح الإسناد.
كل تلك النصوص الدينية الصحيحة تجزم بحق المرأة في الحصول على نفقتها كاملة بعد الطلاق، شاملة نفقتها الخاصة ونفقة المتعة وغيرها من الحقوق المتعارف عليها، بالإضافة إلى نفقة الأولاد أيًا كان عددهم حتى وإن كان طفلًا واحدًا، ولا يستحق اسم وصفة وسمات الرجل من يحاول التهرب من دفع حق النفقة لأهل بيته إن لم يمن إكرامًا للعسرة والمعروف بينهم فيما مضى فامتثالًا لأوامر الله سبحانه وتعالى وتعاليم الدين الإسلامي وتطبيقًا للشريعة الإسلامية.
إذا أرادت المرأة أن تتصدى لأي من ألاعيب الهروب من النفقة التي يتبعها الرجال وتضمن حقها وحق أولادها، عليها أن تتابع سير وتحرك القضية خطوة بخطوة مع محامٍ متمكن عارف بثغرات القانون لكيلا يضيع حقها أو يبخس الرجل منه شيئًا، ففي النهاية القانون قانونًا والقانون لا يحمي المغفلين.